"الكيماوي".. صراخ يعكس المأزق
"الكيماوي".. صراخ يعكس المأزق
"البناء" الخميس 22 آب
2013
محمد شمس الدين
استنفر العالم دفعة
واحدة بعد شيوع خبر استخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق وطالب بإجراء تحقيقات لمعرفة
ملابسات الحادثة التي قيل أنها أودت بحياة عشرات الأشخاص معظمهم من الأطفال. لكن السؤال
المركزي الذي يرتسم حول هذه الواقعة إذا ما صحت بالرغم من نفي السلطات السورية رسمياً
حصولها هو عن التوقيت الذي جرت فيه ليتضح أنها تخدم بشكل أساسي «الجماعات المسلحة المتعددة
الجنسيات» التي تقاتل في سورية لمصلحة تحالف غربي عربي إسرائيلي.
من المعروف أن لجنة التحقيق الدولية باستخدام الأسلحة الكيماوية التي شكلتها
الأمم المتحدة بالتنسيق مع الحكومة السورية وموافقتها بل بطلب منها بعد حادثة خان العسل
في حلب شمال سورية التي تم قصفها بسلاح كيماوي موجودة الآن في دمشق وهي تستعد لمباشرة
عملها من خلال معاينة أكثر من موقع لتتحقق من مزاعم طرفي الصراع وهذا ما يمنع على الأقل
القوات الحكومية من استخدامه خصوصاً أنها بالحد الأدنى تلتزم بأوامر قيادتها وهي منضبطة
في إطار مؤسسة الجيش النظامية التي من غير الممكن أن تبادر الى إطلاق اي رصاصة إلا
بأوامر مباشرة وليست فالتة من عقالها على غرار تلك الجماعات التي تأتمر بأوامر أمراء
من شتى أصقاع الدنيا وتحت مسميات مختلفة.
هذا بحد ذاته يدل على أن توقيت استخدام السلاح الكيماوي ودائماً إذا صح ذلك
إنما يخدم أهداف التحالف الدولي ضد سورية لإيجاد المبررات اللازمة لتدخّلٍ طالما منّى
النفس به منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من سنتين لكنه لم يستطع إلى ذلك سبيلاً بعد نجاح
الجيش السوري وحلفائه في صد الهجمات التي تعرضت لها البلاد طيلة الفترة الماضية وبالرغم
من شراستها. كما تندرج الحادثة في إطار الخطة التي بوشر بتنفيذها بإشراف رئيس المخابرات
السعودية الأمير بندر بن سلطان الذي يعمل بقناعة أنه يجب أن يكسب الحرب حتى لو دمرت
المنطقة بأسرها في حين أن ما كشفته التقارير عن تحرك بندر الأخير باتجاه روسيا وما
قدمه لها من عروض في مقابل تغيير موقفها من سورية وإيران معلناً تسلحه بموافقة الولايات
المتحدة الأميركية وبركة ملكه عبدالله بن عبد العزيز على كل ما يتوصل إليه من اتفاقات
حول هذا الشأن مع موسكو إنما يشير الى أن كل المحرمات سقطت في سبيل تحقيق هذا الهدف
«كسب الحرب» التي لن تتوقف إلا بسقوط محور من المحورين المتصارعين في المنطقة.
يقود هذا الإتجاه الى حقائق ربما بات من الضروري تسليط الضوء عليها وهي أن الإصرار
على هذه الوتيرة من التصعيد لن تمكن كلا الطرفين من حصر الأزمة ونارها ضمن إطار محدد
وأنه بخروجها لن يكون بندر أو أحد من حلفائه بعيداً عن لهبها المباشر وهو ما يحاول
هؤلاء تجاهله في الوقت الحاضر على خلفية أن الطرف الآخر لن يتجرأ على الدفع بهذا الإتجاه
خوفاً من مواجهة كبرى يعتبرونه غير جاهز لها لكن ذلك يدل على أن الحلف العربي الغربي
الإسرائيلي لم يقرأ المضمون الحقيقي لقرار تدخل حزب الله اللبناني في القتال في سورية
وما يدل على ذلك أن بندر وجماعته سارعوا الى الرد عليه محلياً على الساحة اللبنانية
من خلال التفجيرات التي أقدموا عليها في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث معقل الحزب وجمهوره
متجاوزين احتمالات قدرة الحزب على الرد خارج لبنان ومن خلال العديد من الساحات القابلة
للإشتعال حتى داخل السعودية نفسها.
ما يمكن التأكيد عليه هو أن الأمير السعودي القويّ الذي أوكلت إليه مهمة تغيير
قواعد اللعبة في سورية وتالياً في المنطقة يستميت لتحقيق ذلك «طمعاً بالمُلْك» علماً
أنه مدرك جيداً أنّ مهمته في غاية الصعوبة بعد الإنجازات التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه
في حمص والقصير وريف دمشق وإفشالهم خطة الأمير في الهجوم على «القلب» في اللاذقية وريفها
للسيطرة على مواقع استراتيجية جغرافياً ولها تاثير بالغ الأهمية على الصعيدين السياسي
والنفسي على الدولة وجيشها وقيادتها في الحرب الدائرة هناك.
افتعال حادثة «الكيماوي» في الغوطة في ريف دمشق لم تخرج عن إطار الصراخ العالي
الذي يعكس المأزق نتيجة الضربات الموجعة التي يُلحقها الجيش السوري بـ»الجماعات المسلحة
المتعددة الجنسيات» في المنطقة وهو يستعد لأكبر حملة تنظيف لهؤلاء ضمن خطة محكمة وضعها
الجيش لاستكمال سيطرته على كامل المساحة التي طهرها من حمص الى القصير وما شملته من
أرياف دمشق الشمالية والجنوبية تمهيداً لعملية واسعة النطاق تصل حتى الحدود مع لبنان
لتأمين الحماية الكاملة للعاصمة السورية كمركز سياسي وهذا لن يتحقق إلا بضرب معاقل
المسلحين الذين يعتمد عليهم الأمير السعودي في لبنان وتحديداً في عرسال التي تحولت
الى قاعدة يحميها حزب المستقبل الحاضن الأساسي لهم في إشاعة التخريب وضرب الأمن في
لبنان ما يجعله المسؤول الأول عن التفجيرات والسيارات المفخخة التي باتت هاجس جميع
اللبنانيين في كل المناطق اللبنانية.
تعليقات