بندر يضرب «أهله» في الشمال
بندر يضرب «أهله» في الشمال
البناء 26 آب 2013
محمد شمس الدين
ضربت الفتنة طرابلس. الأمر الذي توقعه الناس جميعاً أن تلك السيارات المفخخة
ستجوب المناطق كافة زارعة الموت في كل مكان ما من شأنه أن يحفز على العنف وردات الفعل
الغرائزية البعيدة عن العقل. القاعدة التي ينطلق منها أصحاب القتل المتنقل تقوم على
أنه إذا لم يندفع المستهدفون الأساسيون الى الفتنة والرد فلا بأس بالرهان على تحريك
العصب وشده لدى الحلفاء والأصدقاء وحتى «الأبناء» حتى لو عبر قتلهم وإزهاق أرواح الطيب
منهم كما الخبيث.
هذا ما فعله رئيس الإستخبارات السعودية بندر بن سلطان في الضاحية الجنوبية لبيروت
عندما استهدف حزب الله وقاعدته الشعبية بسيارتين مفخختين وهو ما فعله أيضاً عند «أبنائه»
في طرابلس بالأمس عندما استهدفهم وهم يعبدون الله في مساجدهم.
جريمة مروعة ارتكبت من دون أي وازع من أجل إغراق البلد في فتنة ما زالت تقاوم
ولادتها لأسباب عديدة أهمها أن الناس جميعاً يرفضون حتى هذه اللحظة الوقوع فيها وهو
ما أثبتته المواقف الملتزمة لأهل الضاحية وبعدهم أهل طرابلس الذين تفاوتت ردود أفعالهم
بين الضعيفة وقليلة الحيلة وأحياناً «الجاهلة»!؟.. لكن الثابت هو أن لا قدرة لأحد على
تحمل مسؤولية الفتنة لأن الهجمة عليه قد تكون أكبر وأشرس مما يتوقع وبالتالي فإن لا
قدرة لديه مهما عظم دعمه على مواجهة آثارها ليكتشف أن تجنبها هو الخيار الأسلم.
إلا أن هذا الموقف أو الأداء لن يعرقل أو يوقف مسيرة المخطط الذي وضعه الأمير
السعودي قيد التفيذ وهو يمثل خطة عمل دولية وإقليمية تم الإتفاق عليها في إطار «التحالف
الغربي العربي الإسرائيلي» لخوض المواجهة في سورية بعد فشل تحقيق تقدم ملموس في الحرب
التي استطاعت الدولة السورية وقيادتها وجيشها من التصدي لها فيما ترتكز هذه الخطة على
تصعيد الموقفين الأمني والعسكري في الداخل السوري على ثلاثة محاور هي:
المحور الأول هو الجبهة الجنوبية الممتدة من الحدود الأردنية الى حدود العاصمة
السورية دمشق. وقد كشفت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية جزءً من خطة التحرك على هذه الجهة
من البلاد والتي يتولى «الإسرائيليون» والأميركيون إدارتها والإشراف عليها وصولاً الى
المشاركة فيها إذا اقتضت الحاجة الى ذلك لكن مجموعات التنفيذ التي تمت تهيأتها في مخيمات
تدريب في الأردن وبلغ عددها أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل فهي التي ستتولى الهجوم على هذا
المحور في محاولة لتطويق العاصمة تمهيداً لمعركتها الكبرى وهو ما يساعد على السيطرة
على خطوط التواصل والإتصال مع الجهة الغربية على الحدود اللبنانية السورية للسيطرة
الإستراتيجية عليها ووضعها على الاقل تحت مرمى النار لمنع انتقال عناصر حزب الله عبر
منافذ هذه الجهة الى سورية وقطع خطوط امدادهم.
وتعد جولة المعارك على هذا المحور أساسية لكلا الفريقين الدوليين والإقليميين
المتنازعين في سورية وهو ما سيفرض على الطرف الآخر استنفار كافة جهوده لرد الهجمة على
الجبهة الجنوبية التي تدار وتخاض دولياً. وساعتئذٍ فإنه يكون من الواقعي توقع مشاركة
قوات غير سورية او لبنانية في المعارك لموازنة مشاركة قوات أميركية و»إسرائيلية» على
ما تم تسريبه عن تلك الخطط في تلك المنطقة.
في المحور الثاني تتركز الجهود الدولية على تصعيد الحملة على سورية في إطار
مجلس الأمن والأمم المتحدة والحلفاء الغربيين من خلال «حرب الكيماوي» التي تجلت مظاهرها
الإعلامية في «فيلم الغوطة» من دون أن يصار الى التحقق من هذه الواقعة بالرغم من وجود
فريق معني بهذا الامر تابع للمنظمة الدولية في دمشق في حين لوحظ أن المواقف الدولية
سرعان ما تراجعت عن إصرارها في معرفة ما حصل إما لأن الواقعة غير صحيحة بالمطلق أو
لأن من ارتكب تلك الجريمة المروعة هم حلفاؤهم من الجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات
التي تقاتل في سورية.
وفي هذا السياق فإن هذا المحور سيشهد تصعيداً إضافيا لتغطية العديد من الجرائم
التي سترتكبها أجهزة الإستخبارات المكلفة إدارة الأزمة في سورية ولبنان وفي مقدمها
الإستخبارات السعودية ومعها «الإسرائيليون» والأميركيون ضمن الخطة التي تم الحديث عنها
آنفاً.
في المحور الثالث فإنه ما يعني لبنان في هذه المرحلة من خلال الحرب التي تشن
عليه والتي ليس لها إلا هدف واحد هو دفع حزب الله الى سحب مشاركته في الحرب في سورية
لأن «التحالف الغربي العربي الإسرائيلي» يعتقد أن سبب صمود الجيش السوري يعود الى تلك
المشاركة. لكن في واقع الأمر أن خوض الحرب فس سورية من قبل حزب الله يرتكز كما صرح
في أكثر من مناسبة وكما بات الجميع يعلم بأنه يرتكز الى إيمانه بأن الحرب هناك موجهة
ضده في الأساس وأنها سياسية تندرج في إطار صراع مشروعين سياسيين كبيرين يتنازعان على
خارطة جديدة للمنطقة يرى حزب الله وحلفاؤه أنهم جزء منها وعليه فإن مشاركته قد تزيد
الى أقصى الحدود مع امكانية توسعها الى مشاركة قوات حليفة في معركة يدفع بها أخصامهم
الى أعمق هوة من دون أي وازع.
ما تم التعبير عنه لدى أناس عاديين في طرابلس أمس من
ربط بين الإنفجارين اللذين وقعا في المدينة ورؤيتهم أن تدخل حزب الله في سورية هو السبب
أمر محزن ويدعو الى السخرية إذ أن ما زرع في عقول هؤلاء يقوم على أن العدو هو ذلك الحزب
بينما من يمعن في قتلهم ويقدمهم على مذبح معاركه ووقوداً لها هو من يؤمنون بأنه يرعاهم..
حتى الموت؟».
تعليقات