«فتنة» طرابلس وتقاذف المسؤوليات


«فتنة» طرابلس وتقاذف المسؤوليات
                                                       http://www.blogger.com/post-create.g?blogID=7978423127643341008
محمد شمس الدين
 البناء 20 حزيران 2011 
الحوادث المؤسفة التي شهدتها مدينة طرابلس في شمال لبنان نهاية الأسبوع الماضي لم تكن على الأرجح وليدة لحظتها، كما أنها لاتهدف بالمعنى الحقيقي للكلمة الى التعبير عن استياء طرابلسي من تشكيل الرئيس نجيب ميقاتي لحكومته بعد إخفاق دام خمسة اشهر، إنما تندرج بما لا يدع مجالا للشك في اطار يوحي بأن خيوط الفتنة بدأت تتحرك على الأرض، ومن المواقع الأكثر ضعفا في البناء الاجتماعي اللبناني، وحيث تنفذ اختراقات لا تستطيعها في أماكن أخرى.

 من المستفيد من تحريك الفتنة في طرابلس وغيرها من المناطق المؤهلة لذلك؟.

الاتهامات تطلق في السر والعلن وتتقاذفها كل الأطراف، في محاولة لتحميل «الآخر» مسؤولية ما يجري من دون الدخول في عمل جاد يضع النقاط على الحروف، أو بمعنى آخر، تسمية المسؤول باسمه حتى لا تضيع المسؤولية، في الوقت الذي يعتبر فيه الجميع مسؤولا عما يمكن أن يحدث ويذهب بالبلد الى عواقب وخيمة.
 ما صدر عن رئيس الحكومة من تحذيرات وتوجيهات عشية اندلاع الاشتباكات في طرابلس ليس كافيا بالضرورة، كما أن تحريك الجيش للفصل بين المتقاتلين ليس بالأمر الصواب ما لم تؤمّن له كل الضمانات السياسية والأمنية من أجل وضع المخلين بالأمن بالسجون وكشف حقيقة أعمالهم ومن يقف خلفها، إذ لا بد لهكذا حوادث أن تكون في خدمة هدف سياسي ما لطرف من الأطراف، فلا يصح القول بأنها عرضية أو فردية من دون وضع حد لتجاوزات تشكل خطرا على الاستقرار العام في البلاد.
 ما حاول رئيس الحكومة تجنبه، هو الوقوف بوجه أي طرف من الأطراف المشكِلة لمنطقته الانتخابية والناحية التي ينتمي اليها، وهو لا يريد أيضا أن يظهر في مظهر المقتص ممن كاد أن يحرق الساحات احتجاجا على تكليفه بتشكيل الحكومة، في حين أنه يعلم بأن من تحرك شمالا لم يخرج عن إطار منافسه على رئاسة الحكومة، وهو يشكل بدوره منافسا له على زعامة السنّة انطلاقا من طرابلس بعد سلسلة الخيبات التي مُني بها الحريري و»حزبه» منذ الـ2005 وحتى الآن.
 مصادر سياسية عليمة قالت أن على الحكومة أن تتصرف بواقع أنها تملك زمام الأمور، وألا يكون هناك ما يعوق فرض الأمن الذي لا يمكن أن يكون بالتراضي خصوصاً إذا كان يحمي الفتن ومن يثيرها، فالأكثرية الجديدة استطاعت أن تصمد مدة خمسة أشهر، وهي الفترة التي استغرقتها عملية التشكيل وفرضت الاكثرية بالتالي صيغتها لتشكيل الحكومة من خلال الحصول على كل ما تريد تقريبا، في حين أن رئيس الحكومة رضخ أخيرا، عندما لمس بأن ظروف التأجيل قد زالت بعد أن تضعضعت مواقف الدول التي كانت تضع تشكيل الحكومة في وضعية الانتظار حتى إشعار آخر.
 ما حصل في طرابلس قد يتكرر في كل لحظة إلا إذا أراد اللبنانيون غير ذلك، فالحكومة التي تحظى حاليا بدعم أقوى الأطراف السياسية في البلد، عليها أن تقدم على إجراء التغييرات المناسبة في المواقع الأمنية والعسكرية بما يحول دون التلكؤ في ملاحقة مثيري الفتن في الشارع بدعم سياسي، ومن بعض المواقع الأمنية التي تدين بالولاء لأصحاب الدولة السابقين بحسب المصادر نفسها، والتي أكدت على أن معلوماتها تفيد بأن تحريك الأوضاع في طرابلس لم يخرج عن كونه ردة فعل «غبية» من هؤلاء ومن أزلامهم في مواقع السلطة وخارجها. وتتساءل في هذا السياق أنه إذا كانت الأمور غير ذلك فمن له المصلحة في توتير الشارع والوضع الأمني، ومن يستطيع أن يتحمل مسؤولية اي تدهور قد ينجم عن ردة الفعل تلك سوى من له إرادة بتخريب ما أنجز وفي مقدمته الحكومة الحالية.
 تستعرض المصادر السياسية المحسوبة على الأكثرية الجديدة كل فرقائها لتؤكد بأن ليس لأحد منهم مصلحة في توتير الأوضاع، بل على العكس، فإن قواها الاساسية عملت على لجم الامور بما لها من مونة على أصدقائها في طرابلس في حين أنها قادرة وهذا لايشك فيه أحد بأنها تستطيع أن تفرض رأيها عليهم إذا ما أرادت ذلك.
 المصادر نفسها تقول بأن أطراف الأكثرية وحدة متراصة ولو لم تكن متفاهمة بالحد الأقصى، لوجود مطالب لدى بعضها من بعضها الآخر، غير أنها ذات هدف استراتيجي واحد لا يسمح باتخاذ قرارات منفردة أو الدخول بمغامرات من شأنها تضييع ذلك الهدف، في إشارة الى الحزب العربي الديمقراطي برئاسة علي عيد في طرابلس. وتستطرد المصادر لتقول بأن سورية أيضا ليس لها مصلحة في تحريك اي نوع من الفتن الطائفية والمذهبية في لبنان، بل هي تتشارك مع حلفائها فيه بأنه من الضروري جدا انجاح الحكومة الحالية ودعمها بالمطلق، من أجل الالتفاف على قرارات خارجية واضحة بإضعاف الموقف اللبناني والسوري معا تحقيقا لغايات سياسية استراتيجية تسببت بخلط الأوراق الخطير الذي يجري في المنطقة منذ أكثر من خمسة أشهر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار