الحكومة بين «حُرٍّ» و«مقيّد»


الحكومة بين «حُرٍّ» و«مقيّد»


محمد شمس الدين
بين ما سرّب على لسان سياسيين لبنانيين على اتصال دائم ووثيق بواشنطن، ومفاده ما سمعوه من شخصيات بارزة هناك بأن «لا حكومة في لبنان قبل جلاء صورة الوضع في سورية»، وبين ما أعلنه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي إثر زيارته مجلس النواب بالأمس مسافة شاسعة يصح التساؤل حول مغزاها الحقيقي، وما إذا كان ميقاتي قد قرر التحرر من الالتزامات التي قطعها في هذا الشأن لا سيما وأن في ذلك تخليا عن التزامات في الداخل أولها تجاه رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وثانيها تجاه «الحالة السنية» التي ينتمي اليها ميقاتي، والذي هو «أضعف» من أن يقفز فوقها بأي حال من الأحوال لاعتبارات تبدأ بمسألة الانتماء، وقد لا تنتهي بحماية المصالح الممتدة الى ما بعد ما بعد الصحاري والقفار.
 ما رشح عن اجتماع ميقاتي برئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون وعكسه ميقاتي في تصريحه في مجلس النواب، يشير الى أنه قد تلقى جرعة تسهيلات إضافية قرّبته أكثر ليس من تشكيل الحكومة على الأرجح وإنما من انكشاف وجه المعرقل الحقيقي، وهو الشروط الدولية التي وضعت في طريقه والمرتبطة مباشرة بصياغة جديدة للمنطقة، الأمر الذي حضّرت نفسها لمواجهته قوى الأكثرية في أعلى مستوياتها ضمن خطة تضمن الانتقال السريع الى سد الفراغ الذي أحدثه التأخير المتعمد في تشكيل الحكومة، الذي يلحظ الأميركيون من خلاله حدوث تغييرات في الموقف في سورية خاصة، وأن التصعيد الذي حصل أخيراً هناك قد فاق التوقعات، كما أنه تخطى السقف الذي كان يحاول الرئيس السوري بشار الأسد ضبطه من خلال رسم خطوط حمر للقوى الأمنية في مواجهتها مع الفلتان الذي تفتعله بعض جماعات التخريب، مستغلة التحركات الشعبية المطالبة بحزمة إصلاحات قد صدر منها الكثير حتى الآن، في وقت تعمل الحكومة السورية على وضعها موضع التنفيذ، فيما هي تسعى الى استكمال خططها في هذا المجال.
 ما تمكن الإشارة اليه، هو أن التصعيد الذي حصل في سورية لا سيما ما طال منه القوى الأمنية السورية من جيش وشرطة دفعة واحدة، إنما يندرج أولا في إطار الالتفاف على التحرك الشعبي السوري والفلسطيني الذي حصل في الخامس من حزيران الجاري على الحدود السورية مع فلسطين المحتلة عند هضبة الجولان، وذلك للتقليل من حجم تأثيره في خطة التخريب التي تنفذها الجماعات المسلحة. ثانيا: يطمئن بعض اللبنانيين المراهنين على تغييرات جذرية في سورية الى أن الضغط سيستمر ويتصاعد، خاصة وأن هؤلاء لا ينفكون يطالبون الإدارة الأميركية بإخراجهم من مأزق التعطيل الذي وضعتهم فيه، عندما نصحتهم بعدم المشاركة في حكومة ميقاتي بهدف إحراج الأكثرية الجديدة لإخراجها في ظل الأوضاع القائمة في المنطقة التي باتت تسير وفق منظور سياسي جديد. لكن هذا الفريق بات محرجاً جدا أمام ما يقدم له من تنازلات أو تسهيلات، ما يضعف حجته ويفقده القدرة على تجميد التشكيل الى ما لا نهاية، فهو يعلم أن لا تكليف مفتوحا وأن لكل مسار نهاية.
 مصادر سياسية عليمة قالت إن الحديث الجاري حول فشل الأكثرية الجديدة في تشكيل الحكومة لا يعدو كونه ذراَ للرماد في العيون، لأن تلك الأكثرية ما زالت تمسك بزمام المبادرة ولو أنها لا تميل الى استخدام كل ما تملكه من أوراق دستورية وسياسية، مشيرة الى أنه لا وجود لأية تسوية في المدى المنظور. في حين أن الأقلية الجديدة هي التي تعيش حالة من القلق الشديد لمعرفتها بما ستؤول اليه الأمور في حال استمر الوضع في لبنان على ما هو عليه من تسويف متعمد، تضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من أجل استمراره دون أن يكونوا قادرين على حسم ما يجب حسمه، إن لجهة تعويم تسوية في لبنان، أو لجهة معرفة الخيط الأبيض من الخيط الأسود في سورية. فالتصريحات الأميركية تجاه الوضع هناك تبدو متناقضة كما يظهر ذلك بين الأوروبيين والأميركيين. ففي الوقت الذي تقود فرنسا فيه حملة دولية لتسويق أن الرئيس الأسد بات فاقدا الشرعية، تبرز في المقابل تصريحات أميركية متحفظة أو متجاهلة، ما يربك الأطراف «المنتظِرة» في لبنان. وهنا لا بد من الإشارة الى ما يصدر ايضا في هذا الصدد عن تركيا التي اعلنت بالأمس على لسان وزير خارجيتها أحمد داود أوغلو أن حكومة بلاده «تنظر إلى الحكومة السورية على أنها نظيرتها الشرعية، لذا فإن أنقرة لا تسعى إلى الشروع في أي اتصال مع جماعات المعارضة السورية، في حين أنها سمحت لها بتنظيم مؤتمرها في أنطاليا الأسبوع الماضي.
 لا يبدو أن ما قاله ميقاتي في مجلس النواب دقيقا او جديا. إذ إن الضوء الأخضر لم يشعل بعد، وهذا ما يعنيه إطلاق النار السياسي الذي بدأته جوقة 14 آذار بعازفيها جميعهم بعد الإعلان عن توافق ما حصل بين الرئيس المكلف و»الرئيس الحر». وهنا يبدو السؤال مشروعا ايضا عما إذا كان رئيس الجمهورية سيبقى مقيّدا ومقيِّدا، بعدما حصل على الوزير الماروني السادس بموجب ما سرب عن صيغة جديدة بين ميقاتي وعون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار