"رجل واحد" في مواجهة "الأكثرية"!؟


"رجل واحد" في مواجهة "الأكثرية"!؟


محمد شمس الدين
رجل واحد في مواجهة الأكثرية الجديدة. هذا هو حال رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في إدارته لعملية التشكيل منذ اللحظة الأولى. لم يفقد ميقاتي توازنه حتى الآن بالرغم من ضراوة المعركة، التي خاضها عن كل القوى المستفيدة من عرقلة مسار التأليف، وهو قدم نموذجا في التعطيل والمناورة لم تقو عليه كل الأطراف المعنية بذلك، في حين أنه قدم عينة عن إخلاصه للالتزامات التي قطعها تجاه انتمائه المذهبي أولا، كما تجاه ما يعرف بقوى الضغط الدولية ثانيا.
 طار التفاؤل الذي أشيع الأربعاء الماضي، ولم يظهر من خلال اللقاءات والمشاورات التي تلته اي بصيص نور بإمكان ولادة الحكومة في وقت قريب، بعد انقضاء حوالى الخمسة أشهر على "حملها"، علما أن عطلة نهاية الأسبوع قد شهدت محاولات لإنجاز تركيبة لكنها فشلت. فلا الرئيس المكلف غيّر من "استراتيجيته" ولا سيما في ما يخص التمثيل الطرابلسي منها، بالرغم مما قدم له من تسهيلات "عونية"، ولا رئيس الجمهورية بادر الى تلقف ما أعطي له بموجب تلك التسهيلات في ما يعني الوزير الماروني السادس، الذي جرى التنازل عنه عددا وانتماءً. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى أن تحرك "الخليلين" الأخير لم يفض الى نتائج تذكر في أي من العقد المفترضة، التي كان يجب أن تحل بعد كسر الجليد الذي حصل في مجلس النواب بحسب الرئيس المكلف نفسه.
 ماذا يعني ألا يستطيع أحد وضع حد لمهزلة تشكيل الحكومة، التي يحتاجها الناس لتأمين مصالحهم؟ فالرئيس المكلف يتذرّع بمراعاة "الميثاقية" التي تنازل عنها معظم الفرقاء، بخاصة أولئك الذين أعلنوا رفضهم المشاركة في الحكومة، وقرروا في لحظة، أن يقسموا البلد تلبية لنصائح دولية، وثأرا لما خسروه في عملية خلط اوراق سياسية غيرت من التحالفات التي كانت قائمة. غير أن "الميثاقية" لا تفرض أن يكون الجميع في خط سياسي واحد، وهو الأمر الذي بدأ يتبلور في لبنان ويعتبر حالة صحية يجب على اللبنانيين أن يعوا أنها في مصلحة الديمقراطية التي ينشدون ممارستها. 
 فما الذي يمنع من تشكيل الحكومة، التي من المفترض أيضاَ أنها المطلب الأساسي للأكثرية، كما انها مهمة الرئيس المكلف الذي قبل فور ترشحه لها بـ"شروط" تشكيلها وفق معادلة سياسية كانت وما زالت واضحة المعالم حيال كل الملفات الخلافية، ولا سيما تلك التي ادت الى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. ولا يمكن في هذا المجال إغفال الرأي السوري الداعي الى إنجاز عملية التشكيل في اسرع وقت ممكن، وهو ما حمله رئيس جبهة النضال النائب وليد جنبلاط معه من آخر لقاء له مع الرئيس السوري بشار الأسد الأسبوع الماضي، ليعكس ذلك ايضا حاجة سورية الى وجود حكومة قوية ومتماسكة في لبنان في ظل الظروف التي تمر بها حاليا، لما يمثله ذلك من انعكاسات على ضبط الأوضاع في هذا البلد الذي يعتبر "ممرا ومستقرا" لكل الجماعات والأطراف التي تريد النيل من سورية.
 ومهما يكن من أمر محاولات التموضع والتفتيش الدائم عن أفضل المواقع وأكثرها تحصينا في اللعبة السياسية الداخلية والخارجية، التي لا تنتهي عند الزعماء اللبنانيين، فإن مسألة تشكيل الحكومة قد اتسمت هذه المرة عبر ميقاتي نفسه، بأقسى سمات التطرف عبر استخدام "الدهاء" في مواجهة الأكثرية الجديدة، وعدم تمكينها من تولي قيادة البلد وفق منظورها السياسي الذي لا يتواءم والمنظور السياسي "الدولي" لدور لبنان، حتى أن ميقاتي ذهب أبعد من الحريري نفسه في ممارسة "غرائزه" بما يخدم انتماءه من خلال ما قرره له لقاء دار الفتوى الشهير في 10 شباط الماضي، أي بعد صدور مرسوم تكليفه في 25 كانون الثاني بخمسة عشر يوماً.
 لم يعد من شك في أن عملية التأليف مرتبطة بعوامل خارجية كثيرة جدا، لكنها في النهاية تخدم هدفا واحدا وهو تغيير المعادلات القائمة في المنطقة ومحورها سورية وما يجري فيها، في حين أن بعض تلك العوامل التي تخص لبنان، وفي مقدمتها المحكمة الدولية، إنما تخدم الهدف نفسه، فهي جزء من عملية تقطيع أوصال المحور السوري في المنطقة بهدف إسقاطه تلبية لحاجات السياسة الدولية المرصودة للمنطقة في الفترة المقبلة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار