الأسد.. خريطة طريق جديدة


الأسد.. خريطة طريق جديدة


محمد شمس الدين
تنفست سورية أخيرا. بدا المشهد الشامي بالأمس ملونا بألوان العلم السوري الذي أمتد على مساحة أوتوستراد المزة منبئا بشروق جديد، بعد ضباب كثيف صنعته جماعات الإرهاب الذي قرر أن يخوض المعركة ضد سورية نيابة عن بعض العرب ومعظم الدول الغربية، لكن الشعب السوري الذي وعى باكرا ما يحال ضده، قرر المواجهة فقادها الجيش بإمرة حكومة حديثة العهد، لكنها سرعان ما استوعبت الأزمة وعملت على معالجتها بإصرار ودون الالتفات الى التهديدات التي كانت تنزل عليها من كل حدب وصوب.
 مشهد دمشق بالأمس لا شك بأن له دلالات كبرى على مسار الأوضاع في سورية، أولها الإعلان عن أن الأحداث هناك قد اقتربت من نهايتها أو هي انتهت بالفعل، بعدما سيطر الجيش وقوات الأمن على منطقة جسر الشغور والقضاء على العصابات المسلحة فيها، وإن لم تكن هذه المنطقة هي الأخيرة على لائحة ضرب البؤر المخلة بالأمن والاستقرار، إلا أن تزامن الانتهاء منها مع إشارات سياسية بالغة الأهمية في سورية وخارجها، إنما توحي بأن دمشق بدأت تتجه الى معالجة ذيول الأحداث، كما بدت جاهزة لإعادة إطلاق حيويتها الدبلوماسية من خلال الإطلالة على تركيا أمس، وما سبقها من اتصالات هاتفية أجراها الرئيس السوري بلبنان على خلفية تشكيل حكومته التي جاءت نتيجة حتمية لبروز ملامح عودة الأمور الى طبيعتها.
 وبانتظار إطلالة الرئيس بشار الأسد النوعية شكلا ومضمونا اليوم لمعرفة أفق المرحلة المقبلة سياسيا ليس في الداخل السوري وحسب، بل في المنطقة وما يتصل بها من ملفات عُلق العمل بها ريثما تتضح صورة الوضع في آخر محطات "فورة" "الربيع العربي"، لا بد من قراءة التحولات التي طرأت على الموقف الأميركي الذي سجل تراجعا في اللهجة حيال سورية بالرغم من الخطاب المصر على فرض العقوبات عليها، إضافة الى كون الموقف الأوروبي عموما والفرنسي خصوصاً، قد بدأ يميل الى لهجة "طرية" أيضا، علما أن اهتمامات تلك الدول تتجه الى ملفات أكثر سخونة من الوضع السوري وإن كانت مرتبطة به بصورة من الصور، وفي طليعتها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وما يمكن أن ينتج من تشكيل الحكومة اللبنانية في ملفات يرعاها الغرب مباشرة، كملف القرار 1701 وما يتصل به من قضايا دولية شائكة انطلاقا من الهدف الذي حوربت سورية من أجله، وهو ملف المقاومة في لبنان وسلاحها الذي بيد حزب الله.
 وفي هذا السياق تشير مصادر سياسية واسعة الاطلاع في بيروت الى أن ما يقرأ من خلال خطابات الداخل اللبناني المنددة بالحكومة وطريقة تشكيلها واحتسابها على حزب الله وسورية، هو أن هؤلاء قد تلقوا صفعة شديدة مما برز من مواقف أميركية متراجعة حيال الوضع في سورية، ولا سيما أنهم وعدوا بأن "فرج الخلاص من الحكم هناك بات قريبا". وأن عليهم أن يهدأوا بانتظار تحقيق ذلك لكن الأمر لم يحصل. لقد تبدل المشهد كليا بعدما كان الرهان قائما على عدم تمكين الرئيس نجيب ميقاتي من تشكيل حكومته ورفع شعار "الحريري راجع" في كواليس قوى "14" آذار السياسية، أو على الأقل تشكيل حكومة لها صفة انتقالية أو موقتة تشترك فيها تلك القوى بشكل وازن، ريثما تنضج ظروف عودة الحريري الى السلطة ضمن تسوية يكون حزب الله وسورية خارجها.
 سيرسم خطاب الأسد اليوم خريطة طريق جديدة في السياستين الداخلية والخارجية لسورية، لكنها حكما لن تكون أقل صلابة من سابقتها في مواجهة القضايا التي طالما آمنت بها سورية ودفعت من أجلها الغالي، وفي مقدمتها المقاومة من أجل استعادة الحقوق العربية حتى في فلسطين التي لم يتخل عنها الشعب السوري في أحلك الظروف التي عاشها وهو يستعد لتجاوزها برزمة الإصلاحات، التي ستمثل الطبق الرئيس في خطاب الأسد اليوم.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار