ولادة الحكومة لم تخلُ من الرسائل الدولية والإقليمية
قرأ الأميركيون جيدا أوضاع
سورية فأشعلوا ضوء التشكيل
http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=34406 البناء 15 حزيران 2011
محمد شمس الدين
فجأة ولدت الحكومة بعد تعثر ناهز الخمسة أشهر. ومن دون سابق إنذار تداعى الرؤساء الثلاثة الى الاجتماع، الذي شهد هرجاً ومرجاً بسبب صيغة كانت جاهزة في جيب الرئيس نجيب ميقاتي سميت بصيغة «الأمر الواقع» وقوامها 24 وزيرا، وهي صيغة لم يرغب بها أحد من المعنيين ولا سيما الأطراف الأساسية في الأكثرية الجديدة، لأنها لم تكن لتفي بالغرض لا سياسيا ولا تقنيا وإنما كانت ستأتي مطابقة للمراهنين على حكومة خجولة وهزيلة في أحسن الأحوال. ما جرى في أربع ساعات ولم يجر في خمسة أشهر إنما يعني أن الذي دفع بميقاتي الى التوجه على عجالة من أمره الى القصر الجمهوري هو نفسه الذي منعه من التشكيل طيلة الفترة الماضية.
جن جنون الأقلية البرلمانية المعارضة للولادة، لأنها لم تكن تتوقع كما الأكثرية التوصل الى صيغة تخرج الحكومة الى النور، لكن الإشارات التي وصلت الى الرئيس نجيب ميقاتي، لم تكن فقط سورية إذا سلمنا جدلا بما يقوله أخصام التشكيل، لكن في الواقع أن تلك الإشارات صدرت عن أكثر من مرجع دولي بصورة غير مباشرة عبر وسائل الإعلام وما عكسته من مواقف تجاه الأوضاع في سورية، بعد سيطرة السلطات على جسر الشغور، وحسم المعركة فيها، أو بصورة مباشرة من خلال اتصالات وردت الى ميقاتي من بعض السفراء الأجانب في لبنان. فما قيل عن إيعاز سوري بضرورة التشكيل لم يكن دقيقا لأن دمشق قالت كلمتها في هذا الشأن منذ البداية، وهي اكدت موقفها أكثر من مرة بأن المصلحة اللبنانية والسورية المشتركة تقتضي الاسراع في تشكيل الحكومة، لكن أحدا لم يسمع، لأن صورة الأوضاع في سورية لم تكن واضحة بالنسبة اليهم، الى أن انقشع غبار تدخل الجيش السوري في جسر الشغور، ولم يعد من مجال للتسويف في إنجاز الوضع الحكومي في لبنان، فبادر ميقاتي على وجه السرعة قبل أن يتضح الربط بين إعادة السيطرة الكاملة للسلطة في سورية على الوضاع هناك وبين التأخير المتعمد في تشكيل الحكومة وهو ما لا يطيقه لا الرئيس نجيب ولا أخوه طه الذي سبقت زيارته الى سورية زيارة رئيس جبهة النضال النائب وليد جنبلاط، من دون أن يكون لذلك تاثير في عملية الولادة في الأسبوع الماضي.
مصادر سياسية متابعة قالت: إن تشكيل الحكومة اللبنانية جاء عند نقطة التقاء سورية - أميركية من جديد، فقد استنتجت الولايات المتحدة، وبعد انتظار خمسة اشهر من الرهان على إحداث تغييرات في سورية، من خلال ما يجري من أعمال مخلة بالأمن فيها، بأن لا مجال حاليا لتقويض النظام السوري بحسب ما هو مخطط، وأدركت بأن الحكومة الجديدة التي شكلها الرئيس السوري أخيرا قادرة على معالجة الموقف، كما أن نبض الشارع السوري يصب في مصلحة استمرارها.
الموقف السوري من تشكيل الحكومة، والذي برز من خلال الاتصالات التي أجراها الرئيس الاسد بالرؤساء الثلاثة في لبنان، تؤكد هذا المنحى، وهي تبعث برسالة قوية الى الخارج بان سورية ما زالت قادرة على إبداء رأيها حتى في أحلك الظروف، كما تتضمن إشارة الى أن الموقف في سورية ليس كما يحاول الأميركيون والغربيون عموما تصويره، وهو ما حاول الداخل اللبناني الرهان عليه حيث دخل الجميع في مرحلة انتظار قاتلة، وصولا الى الصدمة التي تلقوها بإعلان تشكيلة تعتبر من اقوى التشكيلات الحكومية على الأقل منذ 2005 حتى الآن.
ما فعله الرئيس نبيه بري، وإن لم يحظ برضى «الميثاقيين»، الذي قرأ في لحظة ضعف موقفي رئيسي الجمهورية والحكومة لم ينقذ لبنان فقط، بل انقذ الرئيس ميقاتي نفسه من إحراج أمام سورية أولا، كما أنقذه من فشل محتم كان سيصل به الى حد الاعتذار لو رفض عرض رئيس مجلس النواب، في حين ان رئيس الجمهورية اسقط كل أوراقه دفعة واحدة لأنه فقد أيضا كل الأسس التي كان يستند إليها في مطالبه الوزارية.
تعليقات