المبادرة بالتشكيل وإلا...؟!



المبادرة بالتشكيل وإلا...؟!


محمد شمس الدين

قدمت الأكثرية الجديدة تسهيلات إضافية الى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي من دون أن يبادر هذا الأخير الى إعلانها، علما أنه يدعي جهوزيته لتوليفها في اي وقت يشاء، وأنه يراعي فقط شروط الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني. الأسبوع الماضي أقفل على تفاؤل بالتشكيل نجم عما أعلن من أن التيار الوطني الحر أعطى مزيدا من الفرص لميقاتي من خلال تقديم اسماء للحقائب الوزارية التي اتفق معه بشأنها إضافة الى أنه أنقص من حصته الوزارية واحدا، الأمر الذي شكل أساسا للانطلاق مرة أخرى في دفع عملية التأليف الى الأمام، لكن الأمور ما زالت تراوح مكانها من دون أي تقدم.
 لا يبدو أن الجرعات التي اعطيت للتشكيل كافية لتسهيل الولادة الحكومية، لأن الأمور من الناحية السياسية لم تحسم حيال العديد من القضايا حتى الآن، فكيف إذا برزت الى الواجهة من جديد الملفات الخلافية وفي مقدمتها ملف المحكمة الدولية، الذي لم تتضح حتى الآن طريقة تعاطي الرئيس المكلف معه، والذي اطل بتعقيدات مضاعفة بعد الكلام الذي صدر عن أكثر من مسؤول دولي بأن هذا الملف يتضمّن من جديد اتهامات لسورية باغتيال المرحوم رفيق الحريري بعد تبرئتها في السابق بتأكيد دولي، وأيضاً على لسان «ولده» «ولي الدم» سعد الحريري.
 مصادر سياسية رفيعة قالت إن إعادة وضع سورية في واجهة الاتهامات يندرج في إطار الحملة الدولية عليها، وخصوصا في هذه اللحظة الحرجة التي تمر فيها، وفي ذلك تأكيد على تسييس هذا الملف بشكل كامل وبصورة سافرة، في حين أن الرد عليه سيكون «قاسيا». هذا التسييس سيوفر المبررات الكافية لحصول المواجهة حوله حتى لو اقتضى ذلك استخدام «العنف»، فلا أحد يرضى بأن يُظلم ولا سيما أنه يتحمل تبعات قضية من شأنها أن تحفر عميقا في علاقات المجتمع بعضه ببعض كما سيؤسس لخلافات لا تنتهي لن يستفيد منها سوى الأعداء وفي مقدمتهم «إسرائيل» الطامحة الى إغراق المنطقة في بحر من الدم، فهي ترى أن في تحقيق هذا الأمر إبعادا لشبح الحرب عنها. لكن هذا التقدير «الإسرائيلي» الذي تتحدث عنه بعض مقالات وتحليلات صحافتها ليس دقيقا على الإطلاق، لأن زمام المبادرة ما زال في يد الممانعين وهم على درجة كبيرة من الاستعداد لأسوأ الاحتمالات على الجبهة «الإسرائيلية» من جهة، كما في مواجهة ما يمكن أن ينتج من تداعيات لنشر القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية من جهة ثانية، إضافة الى ما ستؤول اليه الأوضاع في المنطقة بعد عملية خلط الأوراق الخطيرة التي تشهدها منذ أكثر من ثلاثة اشهر.
 وتعتبر المصادر السياسية الرفيعة، أن التلويح بالقرار الاتهامي فضلا عن شقه السوري يعتبر رسالة مباشرة أو تهديداً مباشراً الى الرئيس المكلف، بضرورة متابعة الالتزام بما اتفق عليه في اجتماعه مع السيناتورين الأميركيين «جون ماكين» و»جو ليبرمان»، اللذين زارا لبنان في 23 شباط الماضي، اي قبل انقضاء الشهر الأول على تكليف ميقاتي في 25 كانون الثاني من العام الجاري، ويقضي بتأخير تشكيل الحكومة بانتظار استكمال «رسم الخارطة الجديدة» للمنطقة، كما جرى إبلاغه في حينه، أن تعامل المجتمع الدولي والولايات المتحدة مع الحكومة الجديدة ينطلق من أمرين: الأول شكل الحكومة وتركيبتها، والثاني بيانها الوزاري وما يتضمنه من سياسات حيال المحكمة الدولية وكيفية تنفيذ قراراتها.
 الحل في أزمة تشكيل الحكومة يكمن ـ بحسب المصادر ذاتها ـ في أن يتحرر الرئيس المكلف من التزاماته الدولية ويراعي الحاجة اللبنانية لوجود حكومة تواجه الأزمات التي يواجهها البلد بما فيها أزماته السياسية، وهو كان يدرك منذ لحظة تقدمه لتحمل المسؤولية، أنه مقبل على إدارة فترة صعبة جداً يستفحل فيها الخلاف استراتيجيا بين الاطراف بما لهم من امتدادات خارجية ضمن محورين سياسيين رئيسيين، وهو أيضا اختير لهذا الموقع انطلاقا من كونه قادراً على الوقوف في «الوسط» في كل الملفات الكبرى وعلى رأسها المحكمة الدولية حيث أن المطلوب منه فقط في هذا الملف ألا يكون معاديا لطرف معين في قراراته تجاهه، إذ ليس المطلوب منه الدفاع عن هذا الطرف أو ذاك فكل منهم يستطيع أن يدافع عن نفسه كما أن له القدرة الكاملة على ذلك، في حين أن عليه ألا يكون منفذا للقرارات الدولية ذات الصلة من دون تدقيق أو الأخذ في عين الاعتبار مصالح لبنان العليا.
 لم يعد نجيب ميقاتي في هذا الموقع «الوسطي» الذي أراده لنفسه منذ خضع للضغوطات الدولية والعربية، سواء المباشرة أو التي مورست عليه بالواسطة من قبل الأطراف في الداخل ولا سيما خضوعه للمنطق «المذهبي» والانحياز إليه، ناهيك عما يشكل موقفه المتردد من مخاطر في ظل ما يحصل ويحاك للمنطقة وما تواجهه سورية تحديدا، وهو لا يحرك ساكنا.
 ليس هناك من وقت كاف أمام ميقاتي ليضع حدا للتسويف المطلوب خارجيا، ووضع ما هو متوجب عليه موضع التنفيذ تأمينا لمصالح الناس في الدرجة الأولى، وإلا فإنه سيكون مضطرا الى مواجهة قرارات سحب الثقة منه مهما كانت نتائجها لأن من أعطاه إياها قد أصبح في لحظة الحرج الشديد شعبيا وسياسيا وامنيا.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار