حزب الله.. عملاء والخطة «ب»
حزب الله.. عملاء والخطة «ب»
http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=35499 البناء 27 حزيران 2011
محمد شمس الدين
سريعاً.. ردّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله على الشائعات التي ملأت الشوارع والبيوت، حول القبض على «عملاء» و»خونة» في صفوفه، وإن لم يكونوا من «الدائرة الضيقة» للقيادة. إلا أن ما سجّل من اختراق أمني للحزب لم يكن مفاجئاً بالنسبة إليهم، فلطالما تحدثت أوساطه الأمنية عن جهود تبذل على صعيد جهاز مكافحة التجسّس في الحزب، والأحزاب الصديقة والحليفة، كما بين الأصدقاء والأقرباء و»المعارف»، وصولاً الى العائلات وتوابعها.
لم تمثل الحادثة بحد ذاتها صدمة للحزب نفسه، فهو وطّن نفسه منذ إعلان الحرب الأمنية في سنة 2008 إثر اغتيال القائد الجهادي الحاج عماد مغنية، للمواجهة على هذا الصعيد، وهو الأمر الذي أعلنه السيّد نصرالله عبر الإعلام.. «إذا كنتم تريدون الذهاب الى هذا النوع من الحرب المفتوحة، فنحن ذاهبون الى هذا النوع من الحرب المفتوحة». قبل السيّد التحدي لأنه يعلم ما يمتلكه حزبه من مقومات تؤهله لخوض الحرب ضد أشرس أجهزة الاستخبارات في العالم وهو الموساد «الإسرائيلي»، الذي يعتبر بمعنى من المعاني الجناح التنفيذي للمخابرات المركزية الأميركية «سي آي إي»، التي لم تنفذ بأي عملية عبر العالم خاصة في الشرق الأوسط، من دون مشاركة فعلية على مستوى التخطيط والتنفيذ مع الموساد «الإسرائيلي».
وضع السيّد في إطلالته المتلفزة الأخيرة النقاط على الحروف في مسألة كانت لتهز الثقة بالحزب وقدراته الأمنية وربما العسكرية، لو لم يكاشف بها الناس الذين منحوه ثقتهم، ليس فقط في إدارة الصراع مع العدو «الإسرائيلي» على أكثر من مستوى، وإنما اعتبروه وليّاً على الدم والعرض والمال والمستقبل أيضاً.
مَن قبل التحدي الأمني في أصعب الظروف كان يحسب الحساب لمثل هذه المواقف. وإن لم يمضِ على التسريب أكثر من أسبوع الى حين المكاشفة، فإن الحزب كان قد وضع يده على هذا الملف منذ ما يقارب الثلاثة أشهر من دون أن يشعر أحد بذلك، حتى شركاء العملاء من أصدقاء ومشغّلين. لقد عمد حزب الله الى تغيير كل الإستراتيجيات التي كان يعتمدها قبل كشف أمر هؤلاء، لعلهم سرّبوا شيئاً مهمّاً أو حتى غير مهم يُمكّن العدو من الاستنتاج أو التحليل.
وتشير المعلومات التي توافرت الى أن الحزب كان يرصد أحد المتعاملين الثلاثة بعد أن شك بأمره منذ مدة طويلة تقارب السنين، إلا أنه بقي على تكتّمه حياله، وربما استفاد منه الى حدود بعيدة في إرسال رسائل كان يهم الحزب أن تصل الى أعدائه في لحظة مناسبة.
منذ قرّر الحزب ساعة الصفر للقبض على «العملاء» الثلاثة، كان قد بدأ فعلاً العمل بالخطة «ب» الموجودة باستمرار في استراتيجياته. إذ ليس هناك من خطة «مقدّسة» لديه، وهو يملك من المرونة ما يجعله يغيّر خططه كل يوم، مع ملاحظة أن إمكانياته المادية واللوجستية تسمح بذلك. ترافق ذلك مع استنفار عام «بارد» لاحظه مقربون منه، بدءاً من خطوط النار مع العدو، وصولاً الى أصغر دوائر التخطيط والتنفيذ. وهو جيّر هذا الاستنفار ووظّفه في مواجهة التحضيرات التي كانت تجريها الدولة العبرية لإطلاق مناورات «نقطة تحول 5» التي وصّفها السيّد خير توصيف لناحية أن اسمها يطابق مضمونها، مع شرح الأسباب التي أجبرت «إسرائيل» على التحوّل، لتبرز المقاومة وحجمها وإنجازاتها الى الواجهة، في الصراع الذي لم يجبر «إسرائيل» على «التحوّل» على مدى أكثر من خمسين عاماً.
لا داعي إلى القلق من ثلاثة عملاء ولا حتى من ثلاثين عميلاً، لأن ذلك متوقع كل يوم في خضم ما يجري، والاختراق الذي امتلك الحزب شجاعة الإعلان عنه ليس الأول في تاريخه، كما أنه لن يكون الأخير، فاغتيال الحاج عماد كان ذروة ما يمكن أن يقال عنه من اختراقات، وتبعه اكتشاف العملاء الذين زوّدوا بعض سيارات مسؤولين حزبيين بكاميرات في الجنوب بهدف تصوير بعض المواقع التي تتردد عليها واستطاع حزب الله أن يتخطى هذه الاختراقات بثبات كلي.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة الى أن بعض التفسيرات للهجمة الأمنية على الحزب تعود الى الإرباك الكبير الذي تعيشه أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» منذ اغتيال مغنية، بسبب عدم قدرتها على تفسير سكوت حزب الله على هذا الاغتيال الى الآن، فهو لم يأخذ بثأره كما وعد السيّد في خطابات متعددة، وهذه الأجهزة قد استنفذت جهودها وتعبت من حالة الاستنفار الدائم على امتداد العالم منذ تنفيذها الاغتيال عام 2008، من دون أن تتوصل الى أي معلومة أو استنتاج يسمح لها بتفادي ما تنتظره.
الحرب الأمنية مستمرة، وقد تصبح أشرس لأن أفضل وسائل الدفاع كما يقال هو.. الهجوم!؟.
تعليقات