مؤشرات كلام جنبلاط.. و«تموضعه»؟!



مؤشرات كلام جنبلاط.. و«تموضعه»؟!


محمد شمس الدين
تتعمق الأزمة السياسية في لبنان كل يوم، في وقت لا تبدو فيه اية ملامح لخروج الحكومة الى الضوء بعد دخول مرحلة التأليف شهرها الخامس. وبالرغم من تفعيل التحرك أخيراً على خط المشاورات بشأنها مع الرئيس نبيه بري إلا أنها لم تخرج عن إطار تبادل الأفكار، فيما كان لافتا ما أدلى به رئيس جبهة النضال النائب وليد جنبلاط وغمزه من قناة حزب الله واتهامه إياه بانه لا يريد تشكيل حكومة وأنه يضع العماد ميشال عون في الواجهة.
 كلام جنبلاط هذا لم يرق لحزب الله الذي اعتبرت أوساطه «بحسن النية»، أن جنبلاط إنما يقصد فيه الحث على تشكيل الحكومة، وهو يؤمن بأن الحزب يملك قدرة لا يستخدمها في هذا المجال. لكن  الأمر لا يبدو كما يحاول جنبلاط الإيحاء به، وإنما قد يكون هناك وجه آخر لهذا التصريح وهو محاولة السير في الوسط بين الفريقين المتخاصمين في لبنان بما لهما من امتدادات إقليمية. وفي مسار جنبلاط الجديد حفظ لخط الرجعة، حيث عبّر بعدها عن أنه يائس من «رهاناته» الفاشلة، فلم يكن أحد على علم بما ستؤول اليه الأوضاع في المنطقة وحالة التدهور التي وصلت اليها، خصوصا بعد دخول سورية في «عين العاصفة» وضرب الاستقرار الداخلي فيها وما يمكن أن يؤدي اليه ذلك من اضطرابات خطيرة وواسعة النطاق تنعكس على الأوضاع في لبنان.
 اوساط حزب الله نفسها قالت إنه يبدو ان جنبلاط قد لمس من خلال اتصالاته الدولية، وأيضا من اللقاءات والاتصالات التي اجراها في الفترة الأخيرة، مع بعض العرب، أن لا رجعة في الهجوم على سورية حتى تحقيق الحد الأدنى من الشروط، ما دفع جنبلاط الى إطلاق تحذيراته في كل الاتجاهات، في حين انه يجب تذكُر ما نصح به الرئيس بشار الاسد من المضّي في عملية إصلاح جدية، أن الرئيس الأسد لا يبدو أنه يمزح في ما أطلقه بعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة، ليصبح كلام جنبلاط في السياقين تجاه حزب الله والرئيس الاسد تعبيراً عن حيرته في اختيار مسار ملائم في ظل إقفال الطرق بشكل تام أمام مساعي التسوية، حتى تلك التي حاول جنبلاط القيام بها خلال لقاءاته العربية الأخيرة.
 تؤكد مصادر حزب الله على أن الحزب يريد تشكيل الحكومة بالأمس قبل اليوم، وهو يحث الأطراف ويستعجلها، لكنه لا يستطيع أن يفرض إرادته على أحد، خصوصا وأن الجهة المعرقلة معروفة من قبل الجميع ويعرفها جنبلاط ورئيس الحكومة المكلف الذي هو معني اكثر من اي شخص آخر بهذا الموضوع، وهو الذي يعرف أيضاً اكثر من غيره أين تكمن العقد، وأنه ممنوع عليه التشكيل إلا ضمن صيغ معينة قد لا تتناسب مع الأكثرية الجديدة التي كلفته، في حين أن ما يريده جنبلاط هو دفع حزب الله وحلفائه إلى القبول بخيارات مفروضة على الرئيس نجيب ميقاتي، أو الذهاب الى تشكيل حكومة ولو من لون واحد، حتى إذا اقتضى ذلك سحب الثقة من الرئيس المكلف والسعي الى تكليف آخر بالرغم من اعتبار جنبلاط نفسه في هذه الحالة منسحبا من الأكثرية الجديدة وهو ما يخدم «تموضعه» الجديد، أو بالرغم مما يعتري هذه الخيارات من مخاطر، لكن ذلك برأي اكثر من طرف قد يحدث صدمة في مسار التكليف والتشكيل علها تعيد الأمور الى أول مربعات التعقيد بهدف إعادة خلط الأوراق، فلربما أنتجت الصدمة حلاً ما، لأن الجميع بات مقتنعا أن ولادة الحكومة تقف أمام حائط مسدود لا أحد يستطيع أن يفتح ولو ثغرة صغيرة فيه.
 قلق جنبلاط، بحسب الأوساط نفسها، ينبع من قلقه على سورية وما يجري فيها في واقع الحال من خلال ما سمعه من بعض الغربيين والعرب، فالرجل بات مدركاً للاتجاه الذي تسير فيه الأمور، كما انه صار متيقنا من أن الإصلاحات في سورية مهما بلغت أهميتها فإنها لن ترضي اصحاب مشروع تخريبها، وأن الثمن المطلوب من قبلهم لن ترضى سورية وقيادتها بدفعه مهما كلفها ذلك.
 ومن هذا المنطلق، فإن الأوضاع في لبنان باتت مفتوحة على كل الاحتمالات ولا سيما التوترات الأمنية منها بعدما ضرب التعطيل كل المؤسسات الدستورية وخرب الانحياز السياسي علاقاتها بعضها بالبعض الآخر. ففي الوقت الذي لا قدرة فيه على تشكيل الحكومة فإن هناك من يقدم على تعطيل المجلس النيابي من خلال رفض دعوة رئيسه لعقد جلسة على وجه السرعة، كما أن رئاسة الجمهورية فاقدة الصلاحيات، عدا عن أن موقفها بات ملتبسا جدا في العديد من القضايا التي واجهها البلد في الفترة الأخيرة ما أفقدها ثقة الأطراف أو ربما بعضها. وكل ذلك يمكن التعبير عنه من خلال ما وصلت اليه الأمور بعد الذي حصل في وزارة الاتصالات والتمرد العسكري على وزير الداخلية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار