مفاوضات أميركية – إيرانية "مفترضة".. غير مجدية؟! /
مفاوضات أميركية – إيرانية "مفترضة"..
غير مجدية؟! /
محمد
شمس الدين /
كثر
الحديث في الآونة الأخيرة عن اجتماعات تحصل في سلطنة عمان بين الأميركيين
والإيرانيين في محاولة لمعالجة الأزمات المستفحلة المطروحة في أكثر من مكان على
مستوى المنطقة لا سيما في لبنان وسورية ناهيك عن الملف الإيراني بحد ذاته والذي
بات مزمناً بعد سقوط الإتفاق النووي الذي أجهز عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب
من خلال أداء عنصري لم يرى سوى إسرائيل في المعادلة الشرق أوسطية.
إلا أن أحداً من الأطراف المعنية بالمفاوضات
الإيرانية – الأميركية لم يؤكد أو ينفي حصولها لكن ما تشي به الحوادث والتطورات
المتسارعة الأخيرة هو الفشل في الوصول إلى نتائج إيجابية على افتراض أن الإجتماعات
قد حصلت.
ليس من المستغرب أن تفشل تلك الإجتماعات
المفترضة إذ ان الملفات الشائكة لا يمكن أن تحل وسط الضغوط التي يمارسها
الأميركيون على الإيرانيين مباشرة وعلى حلفاء إيران في المنطقة، والتي تصل إلى حد "التجويع
القاتل" من خلال العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية كما على سورية
ولبنان من خلال ما يسمى بـ"قانون قيصر"، والذي لن يجد رداً سوى "القتل
بالمثل".
اندلعت المواجهة المباشرة بين الجانبين في
أكثر موقع، لا سيما بعد إقدام واشنطن بأمر مباشر من الرئيس الأميركي على إغتيال
قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ما استدعى رداً
إيرانياً عسكرياً نوعياً للمرة الأولى طال قاعدة عين الأسد في العراق، والتي تعتبر
واحدة من أهم القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، بعد "صبر
استراتيجي" بحسب وصف طهران دام نحو أربعين عاماً. هذا الرد الذي شكل نقطة التحول
الكبرى في الأداء الإيراني على مستوى المواجهة المفتوحة مع الأميركيين، والتي اتخذت
لها عنواناً هو "إنهاء الوجود الأميركي في المنطقة"، كما جاء على لسان
القائد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي في الخطاب الذي ألقاه بعد
استشهاد سليماني مباشرة.
الجميع رصد انتزاع الإيرانيين لـ"حرية
التحرك" بعد تلك الضربة النوعية. هذا التحرك الذي حمل مضامين سياسية كبرى
ربما أكثر اهمية من الضربة نفسها عندما أبحرت ناقلات النفط الإيرانية باتجاه سواحل
فنزويلا، الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، كما السفن المنتظر وصولها إلى السواحل
السورية – اللبنانية لكسر الحصار الذي فرضه "قيصر"، والذي أدى في أولى
نتائجه إلى إطلاق الإشتباك الأميركي مع إيران وحلفائها عبر "الحرب" التي
دارت بين حزب الله والسفيرة الأميركية في بيروت ودخلت على خطها السفارة الإيرانية
في العاصمة ذاتها. يشار إلى أن السفيرة دوروثي شيا التي تسلمت مهامها منذ فترة
قصيرة في العاصمة اللبنانية، أظهرت من خلال أدائها حملها لمهمة تفوق مهمتها
الديبلوماسية إلى إدارة العمليات الأميركية في لبنان ضد المقاومة مستنفرة كل
الأطراف اللبنانيين لخوضها إلى جانبها.
لكن ما الذي يمكن المراهنة عليه من خلال
مفاوضات أميركية - إيرانية مفترضة في سلطنة عمان أو في غيرها وسط هذه "الإستماتة"
الأميركية الواضحة في إحداث أية ثغرة في الملف العالق مع الجمهورية الإسلامية؟ بعدما
كان قد وصل إلى "خواتيم سعيدة" عام 2015 في ظل عهد الرئيس الأميركي
السابق باراك أوباما على خلفية توقيع ما يعرف بـ"الإتفاق النووي"؟، وما
الذي تريده الإدارة الأميركية الحالية بالتحديد وسط تخبط ظاهر في أدائها في كل
الملفات التي تولتها منذ تولي ترامب السلطة عام 2016؟.
ما زال ترامب وإدارته يراهنون على تحقيق
مكاسب في اللحظة الأخيرة قبل انتهاء ولايته في تشرين الثاني المقبل وذلك من خلال
إيصال المواجهة إلى ذروتها بفرض المزيد من العقوبات على إيران من جهة، والضغط
الشديد على حلفائها في سورية ولبنان وهما الأقل قدرة على التحمل لما يواجهانه من
خلل في التركيبة الديمغرافية وتنوع مشاربها ما يعزز رهان واشنطن على التاثير أكثر
بعد نجاحها في افتعال أزمة مالية واقتصادية حادة في البلدين المتجاورين من جهة
ثانية. ويبرز هنا العامل الإسرائيلي المحوري في هذا الصراع الدائر والذي يشكل الهدف
الأساس للأميركيين إعادة تعويمه وتمكينه مجدداً من السيطرة على المفاصل الأساسية
في المنطقة بعد سلسلة الهزائم التي مني بها المشروع الصهيو- أميركي منذ سقوطه
المدوي على يد المقاومة في لبنان عام 2006 وإخفاقه في محاولته الجديدة بهزيمته في
الحرب الكونية التي شنت على سورية منذ عام 2010.
أمام هذه الوقائع يمكن طرح السؤال عن ما يمكن
أن تقدمه الجمهورية الإسلامية في إيران إلى الأميركيين في أية مفاوضات جرت أو
ستجري؟، ثم ما الذي يمكن أن تحصل عليه بالمقابل؟.
في نظرة سريعة إلى ما يجري على امتداد
المنطقة تظهر جلية هزيمة الولايات المتحدة وإسرائيل، بداية في لبنان حيث حزب الله الذي
استعصى على التطويع كما التهديد بكل اشكاله، فيما استطاع أن يستكمل بناء قدراته المجتمعية
والعسكرية عدة وعددا رغم كل أنواع الحصار التي فرضت عليه، إن باستخدام إسرائيل لكل
قدراتها الإستخباراتية أو من خلال العقوبات المالية والإقتصادية على أكثر من صعيد.
كذلك في سورية حيث فشل مشروع إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد والدولة السورية
بالحرب الضروس التي تحاول إسرائيل استكمالها بشكل مباشر تحت عنوان ضرب الوجود الإيراني
فيها، إلا أنها تهدف إلى الإبقاء على الحرب مستعرة لمصلحة الجماعات المسلحة
والأطراف المستفيدة من زعزعة الإستقرار، وفي مقدمتها تركيا التي تحيك مشروع تقسيم
المنطقة مع حلفاء وخصوم لها في نزاعات ممتدة.
ما يسعى إليه ترامب حالياً هو أمر واحد، وهو الفوز
بولاية ثانية وخوض الإنتخابات الأميركية المقبلة بأرصدة الملفات الخارجية، بعدما
اهتز عرشه في الداخل بفعل الضربات المتلاحقة التي تلقاها في الحوادث العنصرية
الأخيرة التي شهدتها الولايات الأميركية، ناهيك عن الآثار التي تركتها أزمة تفشي
وباء كورونا على الإقتصاد الأميركي، وتراجع الرهان على أموال ونفط الحلفاء العرب
الذين دخلوا بقوة نادي الدول العاجزة في ميزانياتها بالرغم من مقدراتها الإقتصادية
الهائلة، وذلك بسبب الحروب الفاشلة التي تورطوا فيها في اليمن وليبيا وسورية
ولبنان وفلسطين.
في المقابل فإن ما تسعى إليه إيران هو عكس ما
يريده ترامب. يمكن اعتبار طهران ناخباً أول في الإنتخابات الرئاسية الأميركية من
خلال تأثيرها المباشر في ملفات المنطقة التي سبق ذكرها، وهي لن تقدم لترامب ما
يساعده على الفوز بولاية ثانية يمارس فيها ما مارسه اتجاهها خلال السنوات الأربع
الماضية، في حين أنه شخص غير موثوق مشهور بانقلابه على تعهداته عدا عن ما يحمله من
أفكار هدامة وعنصرية لا يمكن الركون إليها أو السكوت عنها.
وإلى مفاوضات إيرانية – أميركية محتملة مع
إدارة جديدة، يبقى السباق محموماً بين ما تريده الإدارة الأميركية الحالية ويمكنها
فعله، وبين ما تريده طهران وتفعله بثقة وثبات على الأرض، في حين أن اية مفاوضات لن
تكون مجدية في ما تبقى من وقت لحاكم البيت الأبيض، هذا الوقت المستقطع الذي يحمل
معه رياح كل العواصف وتأثيراتها المدمرة إذا استحكمت إرادة شهوة السلطة والسيطرة
والعنصرية على "ما تبقى" من ترامب، و"ما تبقى" من إسرائيل.
تعليقات