خلط أوراق أميركية
خلط أوراق أميركية
البناء 30 أيلول 2013
محمد شمس الدين
ربما لا يزال
الوقت باكراً على إطلاق صفة "تقارب" على العلاقات الإيرانية – الأميركية
بالرغم من بلوغها مستوى الإتصال الهاتفي بين الرئيسين الإيراني الشيخ حسن روحاني،
والأميركي باراك أوباما، ذلك أن الملفات الشائكة بين البلدين كثيرة وتحتاج الى
الكثير من اللقاءات التي يمكن أن يقال ان نافذتها قد فتحت من خلال ما جرى على هامش
الإجتماع الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
لكن هذه النافذة اقتصرت
على طرح "عناوين رئيسية" في موضوع الملف النووي الإيراني الذي لم يغص
الجانبان بتفاصيله، والذي لا يمكن اعتباره القضية الخلافية الوحيدة والأساسية
بينهما، إذ أن الخلاف يعود الى اكثر من ثلاثين عاماً عندما طردت إيران الولايات
المتحدة من أراضيها واسقطت دورها من إدارتها تمهيداً لطردها من المنطقة برمتها
وتهديد مصالحها الحيوية، وهو ما نجحت به الجمهورية الاسلامية في اكثر من موقع
استراتيجي كانت واشنطن تعول عليه في تأمين مصالحها في منطقة الشرق الوسط.
إذن، لا يمكن حصر
الخلاف بالملف النووي الذي استطاعت طهران الوصول به الى "شاطئ الأمان"
متجاوزة كل العراقيل التي وضعت في طريقه على مدى سنوات طويلة من دون أن تقدم اية
تنازلات، أو ربما يمكن القول أن مستوى الأزمات التي بلغتها المنطقة قد تجاوز
بالفعل هذا الملف الذي أقر رئيس أكبر دولة في العالم ومن على أعلى منبر فيه، بحق
الجمهورية الإسلامية بامتلاكها الطاقة النووية السلمية وهو ما لم تقل إيران غيره،
إلا أن هذا الإعلان يشكل دعوة صريحة لمناقشة عودة العلاقات مع إدارة إيرانية جديدة
ينظر إليها على أنها "انفتاحية تغييرية"، في حين أن مسار الأزمات في
المنطقة هو ما فرض تغييراً في أداء "الدولة العظمى" بعدما بلغت حداً غير
مسبوق من الإخفاقات في سياساتها ما انعكس على حجم قوتها وقدراتها في المجالات كافة،
لاسيما ان الضغوطات الإقتصادية التي واجهتها منذ غزو العراق عام 2003 قد وضعتها في
مواجهة الإفلاس بعدما فشلت أيضاً في تعويض خسائرها عبر صفقات بيع الحروب والسلاح
والتكنولوجيا لحلفائها من العرب الذين فشلوا بدورهم في استغلال "حظوتهم"
لديها للوصول الى المشروع الأكبر "الشرق الأوسط الجديد" وما يتبعه من
الشمال الإفريقي حيث يتمتعون الى جانب "إسرائيل" بالنفوذ المطلق بعد
إخضاع العديد من الأنطمة لإرادتهم.
لعل المفصل الذي
وضع النقاط على الحروف في "الإنعطافة" الأميركية أو التي ربما يمكن
وصفها بـ"الخريف الأميركي" كان الحرب التي تقرر في "لحظة
انتشاء" إدارة ما يسمى بـ"الربيع العربي" شنها على سورية باعتبار
أنها العقبة الرئيسة قبل المحطة الأخيرة في إيران، إلا أن رياح تلك الحرب لم تجر
بما اشتهت سفن الولايات المتحدة أو ما يعرف بالتحالف العربي – الغربي –
الإسرائيلي، والتي أصيبت بضربات عنيفة في مواجهة سياسية – دبلوماسية مع حزم ميداني
ومواكبة عسكرية بعثت برسالة حاسمة مفادها أن أسلوب التفرد والتهديد والهيمنة لم
يعد مجدياً في مقاربة ما هو مطروح من ملفات وأزمات تحديداً على مستوى المنطقة،
علماً أن "المواجهة المفتوحة" بين محور الممانعة التي تقوده إيران بمظلة
روسية، قد تعداها الى ما وراء البحار في أميركا اللاتينية ناهيك عن ساحتها في وسط
آسيا.
وفي هذا السياق
فإن الإتفاق الروسي – الأميركي على عقد مؤتمر "جنيف 2" حول الأزمة
السورية، لن يقتصر فقط على إيجاد حلول لها، بل سيتعدى ذلك الى فتح الباب أمام وضع
كل الملفات على الطاولة وإن تدريجياً في محاولة أميركية لضمان كل ما لم يستطيعوا
تحقيقه من خلال الحروب العبثية التي أدخلوا المنطقة فيها تحت عنوان "الشرق الأوسط
الجديد"، أي بمعنى آخر "تعالوا لنحلها حبياً" مع الإستعداد الكامل
لتقديم التنازلات أمام فقدانهم وحلفائهم لجدوى استخدام القوة أو حتى التهديد بها.
مصادر إيرانية
مواكبة لاجتماعات نيويورك قالت إن ابواب الجمهورية الإسلامية مشرعة على أي
"تقارب ممكن مع الولايات المتحدة يحفظ الحقوق الكاملة لشعوب المنطقة"،
وهي العبارة التي يرددها الإيرانيون في كل كلامهم، إلا أن المصادر توقفت عند
التصريحات الجانبية التي يطلقها المسؤولون الأميركيون حول بعض الشروط حيال الملف
النووي لكنهم لا يتوقفون عندها لاعتبارهم أن خاتمته باتت "رائحتها مسك"،
لكنهم يغمزون من قناة التصريحات الخاصة بالأزمة السورية وما يمررونه من شروط تجاه
عقدة العقد بالنسبة اليهم وهي امكانية ترشح الرئيس بشار الأسد في الانتخابات السورية
في آذار المقبل، إلا أن الإيرانيين يعرفون أن ما تقوله الولايات المتحدة لا يعدو
كونه غزلاً علنياً تجاه حلفائهم من العرب الذين يصرون على مطلب "اسقاط
الأسد" كثمن لأية تسوية، فيما الإدارة في واشنطن باتت تفكر بطريقة اخرى وهي
قادرة على "الإلتفاف" في اللحظة المناسبة على ما يطلبه شركاؤها في
الرياض وحتى في "تل أبيب" حيال ذلك.
تقول المصادر
الإيرانية ذاتها إن الولايات المتحدة تعيد خلط أوراقها للدخول الى المنطقة عبر
بوابة طهران التي ما زالت تتحسر على فقدانها منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لكنها الآن
باتت تدرك أن شروط ذلك ستكون مستحيلة أو سيكون ثمنها أكبر من أن تستطيع دفعه
الدولة الأعظم في العالم.
تعليقات