تبعات "زلة اللسان" الأميركية
تبعات "زلة اللسان" الأميركية
البناء 12 أيلول 2013
محمد شمس الدين
قد تنجح
"المبادرة الروسية" للجم هجوم التحالف الغربي – العربي- الإسرائيلي على
سورية بقيادة الولايات المتحدة التي تحفزت
لشن عدوان عسكري على بلاد الشام لـ"تعديل" ميزان القوى المختل لصالح حلفائها
في المعارضة السورية وجماعاتها المسلحة المتعددة الجنسيات بعد ضربات عنيفة تلقتها
من الجيش السوري في مناطق عدة كان آخرها ضمن مساحة واسعة من ريف دمشق.
تروي مصادر
دبلوماسية أجنبية أن "المقترح" الروسي حول وضع المخزون الكيماوي السوري
تحت الرقابة الدولية يعود الى زمن حادثة "خان العسل" في آذار/مارس
الماضي عندما استعملت الجماعات المسلحة السلاح الكيماوي ضد الأهالي وذهب ضحيتها جنود سوريون ومدنيون
من نساء وأطفال وشبّان وشيوخ، ووقتها طالبت دمشق وموسكو الأمم المتحدة والولايات
المتحدة وبريطانيا بالضغط لإجراء تحقيق دولي يثبت تورط تلك الجماعات التي لجأت الى
اتهام القوات الحكومية بارتكابها، لكن لم يسمع أحد من اولئك الذين دعموا استمرار
وقوع المجازر بغية إدخال تغيير في مجرى الأمور على الأرض الا ان ذلك لم يفلح
أيضاً.
تقول المصادر إن العرض الروسي كان سبق أن نوقش مع الولايات المتحدة في غير
مناسبة لكن المسؤولين الأميركيين لم يأخذوه على محمل الجد بداية وعمدوا بعد ذلك
الى إبداء عدم اهتمامهم به من دون عرض الأسباب ما يوحي بعدم الموافقة عليه فوضعه
الجانب الروسي على الرف، الى حين زلّ لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري لدى
الإجابة على آخر سؤال طرح عليه في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البريطاني في لندن
قبل ايام، بالقول إن الضربة العسكرية المحتملة لسوريا قد تتوقف فقط إذا ما سلّم
السوريون مخزونهم من السلاح الكيماوي الى هيئة دولية. برر كيري بعد حوالي العشر
دقائق في اتصال مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن ما قاله كان من مقتضيات
خطابية، إلا أن الأخير عمد الى الإعلان عن نا سمي "مبادرة" بعد أن كانت
"اقتراحاً" سابقاً نسيه صاحبه لعدم نجاحه في إقناع حصمه بقبوله، أتبعه
بإعلان موافقة دمشق التي كان وزير خارجيتها في زيارة رسمية الى موسكو و ذلك بعد
التشاور مع الرئيس السوري بشار الأسد.
تضيف المصادر أن لافروف قال
لمستشاريه عند سماعه جواب وزير الخارجية الأميركي على سؤال لأحد الصحافيين، أنه
"يبدو أن الأميركيين وافقوا على مقترحنا.. وما تطرق اليه كيري هو رسالة شديدة
الوضوح بذلك.. وعلينا أن نقابله سريعاً بإيجابية"، وخرج مسرعاً الى الصحافيين
وأعلن مبادرته التي كان ضمِن موافقة السوريين عليها في دقائق معدودة.
لا شك أن "التباساً" وقع بين زلة اللسان الأميركية ورد الفعل
الروسي، لكن ذلك شكل مخرجاً لائقاً للجانب الأميركي الذي رأى فيما بعد أنه قد يكون
حقق انجازاً سياسياً من دون الغرق في لعبة الحرب القذرة التي لم تلق استحساناً لا
في الداخل الأميركي ولا عند الحلفاء، ما رسم خط "عزل" للرئيس باراك
اوباما كان يمكن أن يتطور الى ما لا تحمد عقباه على مستوى الإدارة الأميركية
الحالية، في حين أن هذا الأمر يندرج في إطار مطلب "إسرائيلي" لطالما
حلمت في تحقيقه الدولة العبرية مباشرة أو عبر حليفها الأميركي الذي بات باستطاعته
أن يدعي أنه لبّى ذلك. وهذا ما سيعود على أوباما وإدارته رضىً كاملاً من
"اللوبي الصهيوني" الذي كان يدفعه وما يزال الى شن عدوان يطمح من خلاله
الى المزيد من تدمير سورية الدولة وبنيتها التحتية.
تراجع العدوان الى حد الإلغاء بطلب الرئيس الأميركي أمس من الكونغرس تأجيل
التصويت على فعل الهجوم على سورية. فبعد "الردع" العسكري الذي مارسته
سورية وحلفاؤها عبر الرد على التهديد بالتهديد "الموثق" الذي بنى عليه
القادة العسكريون الأميركيون، جاء الردع السياسي والدبلوماسي الذي أفقد الحلف
الغربي – العربي – الإسرائيلي قدرته على المناورة الى حد الهزيمة
"المشرفة" ليُفتح الباب أمام صيغ جديدة في التعاطي مع الأزمة السورية
والحرب الدائرة فيها وإعادتها الى "الحدود" المرسومة وما سمي بـ"الخطوط الحمراء" لمواجهة
تبقى مفتوحة أمام خيارات "الحسم" الذي يحتاجه كل من الفريقين لاستشراف
أفق الحل على قاعدة الغالب.. والمغلوب!.
تعليقات