صواريخ ما بعد "الصفعة"
صواريخ ما بعد "الصفعة"
البناء 05 أيلول 2013
محمد شمس الدين
مهما يكن من أمر «المناورة الصاروخية» التي أجرتها «إسرائيل» والولايات المتحدة
الأميركية بشكل مشترك في البحر المتوسط خلال الأيام الماضية فإن ما حملته من مضامين
سياسية وعسكرية كافٍ لوضع النقاط على الحروف في خضمّ الأزمات التي تعصف بالمنطقة وفي
مقدمتها الحرب الدائرة في سورية.
ما زال البحث ناشطاً حول الجهة التي أطلقت الصاروخين في عرض البحر واكتشافهما
بواسطة أجهزة الإنذار المبكر الروسية وذلك بالرغم من إعلان «إسرائيل» مسؤوليتها عنهما
إذ أن الولايات المتحدة التي تحتاج الى تنفيذ مثل هذا العمل ُتعتبر المستفيد الأول
منه بعد «الصفعة» التي لحقت بها جراء تراجع إدارتها عن قرار شن عدوان عسكري على سورية.
فواشنطن التي اقتنعت بأن التراجع قد يكون له تأثير سلبي على أدائها ومصالحها في الشرق
الأوسط يعطي خصومهما رصيداً إضافياً في حربهما المشتركة في سورية وهو ما أكدته لها
الدولة العبرية بالمباحثات المباشرة عدا عن توجيه الإعلام في «إسرائيل» للتركيز على
هذه الناحية في الوقت الذي تعيش هذه الأخيرة على وقع قرع طبول الحرب التي ظهرت أولى
نتائجها عندها وحتى قبل أن تبدأ لجهة ما أصاب «المجتمع الإسرائيلي» من هلع كانت مظاهره
واضحة في احتشاد الناس في طوابير طويلة سعياً لاستلام الأقنعة الواقية من الغاز لمواجهة
حرب كيماوية محتملة.
وإذا صح أن «إسرائيل» هي من نفذ تلك «المناورة الصاروخية» فإنها بالتأكيد قد
سلفتها للولايات المتحدة التي أربكها الموقف الإيراني والسوري وحلفائهما والذي كان
له الأثر البالغ في قرار تأجيل شن عدوان على سورية كانت «إسرائيل» قد دفعت بكل قوتها
باتجاهه لأن الأخيرة لا تستطيع وحدها تحمّل تبعات استمرار توجيه ضربات عسكرية جوية
الى مواقع تعتبر تدميرها أمراً استراتيجياً بالنسبة لها بعد الإغارة على مواقع قرب
دمشق وأخرى في العمق السوري ولا هي استطاعت بالرغم من كل الحوادث التي عصفت في تلك
المنطقة أن تحد من نقل الأسلحة والصواريخ الى حزب الله في لبنان بل على العكس فإن الحزب
الذي اندفع الى القتال في الداخل السوري استطاع أن يحجب عن «إسرائيل» كل ما يمكن أن
يكون فعله في غير مكان على الجغرافيا السورية استعداداً لحرب كان المحور الممانع قد
توقعها منذ البداية عندما رصد المسار الدولي لحركة المعارك في سورية.
«المناورة الصاروخية الإسرائيلية
الأميركية» المشتركة لبّت حاجة الولايات المتحدة ورئيسها باراك أوباما في لحظة سياسية
حرجة وضعت مصداقية هذا البلد وقوته على المحك وهي ستدفع على الأرجح في اتجاه تأييد
الكونغرس الأميركي لقرار رئاسي بتنفيذ عمل عسكري ضد سورية بالرغم من المخاطر التي تحيط
بذلك فأوباما الذي يملك إمكانية إصدار القرار بشكل فردي بحسب الدستور الأميركي كان
يعلم أن إقدامه عليه قد يجعل الأمور تفلت من عُقالها وتوسيع رقعة الحرب إذا ما لجأ
«الخصم» الى أي «رد فعل» ناهيك عما يمكن أن يستدعيه ذلك من تحرك على الأرض واضطراه
للدخول بعملية برية ما جعله يلجأ الى قرار أوسع من ممارسة حقوقه الدستورية في اتخاذ
قرار منفرد على هذا الصعيد فأحال الأمر الى مجلس شيوخ بلاده.
وكذلك الأمر فإن «المناورة الصاروخية» وجهت رسالة مفادها أن الولايات المتحدة
مصرة على متابعة ما بدأته على صعيد ما اسمته ضربة عسكرية «تعيد التوازن» الى مسار الحرب
في سورية بذريعة استخدام القوات النظامية لأسلحة كيمياوية من دون التأكد من ذلك أو
حتى انتظار تقرير المراقبين الدوليين الذين عينتهم الأمم المتحدة للتحقق والذي يحتاج
الى مدة أسبوعين ليصدر بعد ظهور نتائج تحاليل المختبرات حول نوعية الغازات التي تم
استخدامها في حين أنه يتم تحويل الأنظار عن الجهة التي قامت بهذا الفعل الشنيع وسط
تصريحات لأعضاء من الفريق أكدت أن «الجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات» هي التي استخدمتها.
ما بنت عليه الولايات المتحدة من استخدام للأسلحة الكيماوية في سورية هو تقارير
استخبارية اسرائيلية قدمت لها لكنه لن يكون مجدياً في التأثير على قرار الكونغرس بعد
الانتكاسة السياسية والعسكرية التي سيكون لها تداعياتها على وضع أميركا في المنطقة
ومصالحها ربما عبر العالم إذا لم يستعد «اعتبارها» الذي صار مسؤولية مجلس الشيوخ بعدما
رمى أوباما عبء ذلك عليه في حين أن تلك التقاريرالإسرائيلية كانت السبب المباشر خلف
سقوط مشروع التدخل العسكري الذي عرضه رئيس الوزراء البريطاني على برلمان بلاده التي
استطاعت استخباراتها رصد اتصالات حصلت بموجبها على هذه المعلومة التي تَسلح بها النواب
البريطانيون الذين صوتوا ضد الهجوم على سورية.
وفرت «المناورة الصاروخية» في البحر المتوسط وقتاً إضافيا للاستعداد لمواجهة
احتمالات أكثر صعوبة في حال التدخل العسكري في سورية وتالياً في المنطقة لأن الأمور
لن تقف عند حدود الدولة التي اختيرت لخوض «حرب عالمية» فيها على نطاق ضيق وذلك بالنسبة
لطرفي النزاع الإقليمي بأبعاده الدولية ففي الوقت الذي تستمر فيه قوى التحالف الغربي
العربي الإسرائيلي في مناقشة كافة الخيارات ومنها ما كان وضع في فترة سابقة على نار
حامية من عملية عسكرية في جنوب سورية تقودها قوات أميركية إسرائيلية تم تدريب آلاف
العناصر السورية لها في الأردن يستعد المحور الآخر ايضاً لمواجهة واسعة النطاق وفق
معادلات قد تكون مختلفة عن مناورة «عرض العضلات الصاروخية» التي أجراها «الإسرائيليون»
والأميركيون عنوانها الوحيد المقاومة.. بصمت، الأمر الذي يقلق التحالف الغربي الذي
يسعى بشكل حثيث لمعرفة ما يدور في عقول هؤلاء الخصوم الذين وصفهم بـ"المجنونين"
في بيروت والشام.
أما طهران المعنية المباشرة بالأزمة السورية و"المناورة الصاروخية"
فتدرس الرد عليها بمثلها في زمان ومكان مناسبين كما اختيار «إسرائيل» واميركا لذلك
لكنها مقتنعة بحسب «الراسخون في علمها» أن عنصر «المفاجأة» سيبقى الأقوى والأفعل في
تحقيق هذا الأمر.
تعليقات