لا "خيمة زرقاء" فوق "القبعات الزرق"


لا «خيمة زرقاء» فوق «القبعات الزرق»


محمد شمس الدين
ما تعرضت له قوة من الوحدة الإيطالية العاملة في إطار «اليونيفيل المعززة» شمال مدينة صيدا الجنوبية يوم الجمعة الفائت، يشير الى أن الصراع المحتدم الذي يجري في المنطقة بدأ يترجم على أرض الواقع في اكثر من بقعة وفي أكثر من اتجاه، في حين أن الأوراق التي يمتلكها كل طرف من الأطراف ستوضع في التداول تدريجا إن من ناحية الهجوم أو من ناحية الدفاع. إلا أن «المهاجمين» لم يتوانوا حتى اللحظة عن استخدام كل اسلحتهم محليا وإقليميا ودوليا، ومن شتى الأنواع عسكريا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا، إذ من الممكن أنهم يعتبرون أن الوقت مناسب جداً لاستغلال الحراك الشعبي في المنطقة من أجل إجراء «التغيير» المنشود في بعض الدول التي تمثّل عبئا أساسيا على المشروع الدولي في الشرق الأوسط وفي مقدمتها سورية، والتي فشلت كل المحاولات في تحقيقه حتى الآن بالرغم من قساوتها وضخامتها..
 يبدو المشهد معقداً الى حد كبير في لبنان، حيث بدأت مؤسساته الدستورية بالانهيار وملامحه تظهر أولا من خلال الفشل في تشكيل الحكومة، نتيجة عدم تطابق الحسابات بين الأطراف في الداخل وما هو مطلوب من الخارج، وثانيا بعد الذي ظهر في ملف وزارة الاتصالات وحالة التمرد على الأوامر في وزارة الداخلية من قبل قواها الأمنية بشخص أعلى سلطة فيها، وثالثا بعد الانفجار الذي طاول سيارات تابعة لليونيفيل وسقوط عدد من الجرحى من عناصرها، ليتكشف أن البلد مقبل على مزيد من التأزم في وضعه الأمني، في ظل العجز عن اجتراح حلول للمشاكل السياسية المرتبطة ارتباطا مباشرا بما يجري حوله. فالتحقيقات الأولية التي أجراها المعنيون حول الاستهداف الأخير للقوات الدولية، لم تنجل عن اتهام أي جهة كما لم تعلن أي من الجهات مسؤوليتها عنه، في حين سيطرت التحليلات على تفسير الحادثة كل من وجه نظره، من دون الاستناد الى أية معلومات حقيقية متصلة. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة بغض النظر عن الفاعل الى أن حادثة الانفجار والاستهداف تبقى «طبيعية» في مضمونها، إن على مستوى الأحداث التي تجري في المنطقة، وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج لمصلحة «المتقاتلين»، أو لجهة اعتبارها «رسالة» من الرسائل الموجهة الى المجتمع الدولي على خلفية المواقف التي اتخذها حيال سورية والعقوبات التي فرضها عليها وعلى قيادتها، كمقدمة لممارسة المزيد من الضغوط، من أجل تحقيق الحد الأدنى المطلوب منها، وهو ما سمي بـ»تغيير السلوك» الذي تتبعه، وهو العبارة التي استخدمها الأميركيون والأوروبيون على حد سواء في إيحاء غير مباشر الى القيادة السورية، بضرورة التخلي عن حزب الله تحديدا، والكف عن تمرير السلاح له تحت أي من الذرائع تمهيدا لمحاصرته في إطار ضمان امن «إسرائيل» بعد هزيمتها في العام 2000 وعدم تمكنها من تحقيق امنها الذاتي في المرحلة التي تلت، وصولا الى فشلها في تحقيق هذا الهدف واهداف عربية ودولية من خلال حربها على لبنان سنة 2006.
 التسويق لفرضية ان استهداف القوة الإيطالية هو رسالة الى المجتمع الدولي على خلفية مواقفه من سورية ونهجها السياسي وحلفائها قد يوحي للراغبين بأنه صحيح لكنه في الوقت نفسه إنما يعبر عن أن الصراع القائم هو صراع سياسي بامتياز، وأنه لن يوفر أحداً تحت أي شعار من الشعارات. كما لا توجد «خيمة زرقاء» فوق «القبعات الزرق» من شأنها أن تحمي عناصر تابعة لدول تشن حروبا في مجلس الأمن الدولي وعبره في المنطقة، في حين انها موجودة في لبنان تطبيقا للقرار 1701، الذي وضع موضع التنفيذ بعد حرب ضروس شنتها «إسرائيل»، إلا ان وجودها إذا ما شكل تهديدا لفريق معين في لعبة سياسية داخلية، او كان له تأثير على لبنان بما هوعليه اليوم في المعادلة الإقليمية، أو حتى انعكاس ذلك على العلاقات بدولة تربطها به اتفاقيات اخوة وتعاون وتنسيق و»دفاع»، فإنها اي تلك القوات تصبح خارج إطار مهماتها، فتتحول عند ذلك الى هدف سهل لمن يريد استهدافها.
 المعلوم أن بعض اللبنانيين يحثون الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على إعطاء دور اكبر لقواتهم في حسم الأمور لمصلحتهم على الساحة اللبنانية، وهو ما لم تتخذ تلك الدول قرارات بشأنه حتى الآن، لكنها تعمل من خلال بعثاتها الدبلوماسية على حياكة موقف ينسجم مع تطلعات هذا البعض في الداخل اللبناني وما يتوافق مع الصياغة الجديدة للمنطقة على ضوء ما يحصل فيها من تغييرات، الأمر الذي اضطلعت بمتابعته وتنفيذه الولايات المتحدة عبر مبعوثها جيفري فيلتمان الذي أوقف العمل ببرنامج تشكيل الحكومة، واعطى توجيهاته باستخدام شبكة الخلوي الثالثة استخداما أمنيا للتنصت على اتصالات تجري داخل سورية، بعد تطعيمها بمعدات إضافية استخدمت في التنصت على الاتصالات في لبنان سابقا وهي موجودة في المبنى نفسه الذي جرت السيطرة عليه من قبل قوى الأمن الداخلي الأسبوع الماضي.
 وحتى ظهور نتائج التحقيقات وتحديد المسؤول عن استهداف اليونيفيل، بحسب ما تطالب به الدول المعنية والأطراف الداخلية، فإن ما يتصل بهذا الصراع إنما يتصل مباشرة بما تتخذه دولها ـ اليونيفيل ـ من قرارات تتعلق بصراع سياسي كبير يجري في المنطقة، ويدور بين محورين أساسيين على قواعد سياسية واضحة بعيدة من الطائفية والمذهبية اللتين يحاول البعض إلباسهما له.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار