ضبط تشكيل الحكومة على الإيقاع السوري


ضبط تشكيل الحكومة على الإيقاع السوري

البناء 12 أيار 2011

محمد شمس الدين

سُجلت في الساعات الأخيرة الماضية سلسلة إشارات تصبُّ في مصلحة تشكيل الحكومة اللبنانية في وقت قريب. فقد أكدت مصادر سياسية معنية أن الرئيس نجيب ميقاتي قد تلقى إشعارا دوليا بـ»رفع الحظر» عن التشكيل، في حين نقلت جهات معنية في الأكثرية الجديدة تكرار الطلب السوري بوضوح ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة اللبنانية، بعدما صار التأخير يخدم مصلحة اضطراب الوضع العام في المنطقة العربية، ناهيك عن أنه يخدم مشاريع الفتنة المرصودة للبنان وسورية على حد سواء، لما للارتباط الوثيق للعامل الأمني بين البلدين، وما يتسبب به غياب المرجعية الأمنية والسياسية في لبنان نتيجة الفراغ الحاصل في السلطة الثالثة، وما له من تداعيات بالغة الخطورة في الظروف الراهنة.
 يبدو أن الإشعار الدولي بـ»رفع الحظر» فرضته التطورات في سورية، بعدما أنجزت السلطات السورية الأمنية والعسكرية حسم الموقف داخليا في مواجهة خطة زعزعة الاستقرار تحت شعارات مطلبية، ما يشير الى أن سورية استطاعت مرة أخرى التصدي للمحاولات الخارجية الهادفة الى هز أسس الدولة فيها مستغلة في محاولتها الأخيرة بعض الجماعات من داخل البلد.
 وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية معنية بالشأن السوري إنه ليس صحيحا أن دمشق قدمت تنازلات في مقابل تخفيف الضغط عنها من خلال الكف عن تحريك الداخل، إذ إن الضغوطات التي يمارسها الغرب تحديداً، مستمرة في البحث عن إجراءات على مستوى دولي كالعقوبات التي تفرض يمنة ويسرة وتطاول المسؤولين السوريين، إضافة الى ما بدأت بعض الجهات تسويقه حول «إسقاط» الشرعية عن حكم الرئيس بشار الأسد، ليتأكد من خلال ذلك أن الدول التي تتبنى هذه الطروحات إنما لجأت اليها بعدما فشلت في الرهان على التحريك الميداني لبعض الجماعات المسلحة التي وُجِّهت من الخارج، ومُدَّت بالمال والسلاح بهدف إثارة القلاقل والتخريب في أكثر من مدينة سورية. وذكّرت المصادر بالاتهامات التي وجَّهتها دمشق الى بعض الأطراف اللبنانية بوقوفها وراء مثل تلك العمليات، مشيرة الى أن السلطات السورية إنما سجلت موقفها تجاه ذلك، وهي ستستكمل إجراءاتها بملاحقتهم بعد استتباب الاوضاع الأمنية والتفرغ قضائيا وسياسيا لملاحقتهم.
 ما تريده دمشق من لبنان هو وجود سلطة مسؤولة تكون قادرة على اتخاذ المواقف، إن لجهة مواجهة الأوضاع السياسية التي ستبلغ ذروة حماوتها في لبنان والمنطقة بعد إعلان دمشق رسميا عن انتهاء العمليات العسكرية والأمنية في مواجهة العصابات المخلة بالأمن، أو على مستوى متابعة الملفات المشتركة في ما يخص الاتفاقيات المعقودة بين البلدين والتي تحتم على كل دولة أن تؤازر الأخرى حيال ما تواجهه من أزمات. كذلك تنص تلك الاتفاقيات على ألا تكون الواحدة منهما مركزا لنشاط أي جماعة ضد الأخرى. وفي هذه الحال فإن على لبنان أن يتحمل مسؤوليته في ملاحقة كل الذين اتهموا أو سيشملهم الاتهام في المرحلة المقبلة، مهما علا شأنهم، لأن المسألة تتعلق بالأمن القومي لكلا البلدين، خصوصاً أنهما معا وسيظلان كذلك في مواجهة العدو الواحد «إسرائيل».
 إلا أن الإسراع في تشكيل الحكومة بالرغم من الإشارات السورية ورفع «الحظر الدولي»، فإنه ولا شك لا يعني أن الأزمة على هذا الصعيد قد انتهت، لكن من الممكن أن ينعكس ليناَ في بعض المواقف والمطالب التي كانت مستعصية قبل انكشاف أبيض سورية من أسودها، حيث كان الغرب وتحديدا الإدارة الأميركية، قد طلب إلى الجهات المعنية بتشكيل الحكومة في لبنان عدم بت الموضوع الحكومي في ظل الحراك الذي يجري في سورية لأنه سيشكل في حال نجاحه انقلابا حقيقيا في موازين القوى، التي تتصارع في المنطقة منذ أكثر من خمس سنوات ليبنى على الشيء مقتضاه.
 «النتيجة» التي خرج بها هؤلاء من استهداف سورية، إنما تشكل مرة جديدة «صفعة» لمشروعهم الذي لن ينتهي العمل به في القريب العاجل، ولكنه سيبحث عن مكامن أخرى لممارسة المزيد من الضغوطات التي من شأنها تسجيل اختراق على هذا المستوى، إذ إن كل ما جرى على الساحة العربية من تغييرات لن يؤدي الغرض منه، ما لم يحصل التغيير في سورية، والذي فشل بحسب الظاهر حتى الآن، وبحسب ما توافر من معلومات على هذا الصعيد من العاصمة دمشق.
 أيام قليلة تفصلنا عن الإعلان عن انتهاء الحكومة السورية من المواجهات الأمنية التي أجبرت عليها والانتهاء ايضا من ورشة إعداد الآليات التطبيقية لما طرح من مشاريع اصلاح ستستفيد منها سورية ولا شك، لتبدأ بعدها ورشة إعادة التموضع في الملفات الإقليمية والدولية ومنها الوضع في لبنان، الذي كشفت وضعه التجربة الأخيرة التي خاضتها سورية، وما مثَّله لبنان فيها من خطر يجب أن يقطع دابره عند اول فرصة، الأمر الذي يوجب على أي حكومة لبنانية ستتشكل أن تأخذه بعين الاعتبار، وهو ما سيحكم تشكيلها في لعبة القوى التي يتكون منها هذا البلد وقدرة كل لاعب على الاحتفاظ بهامشه الخاص في اللعبة الكبرى.         

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار