فشل مخطط ضرب سورية يعزز خيار.. الحرب




فشل مخطط ضرب سورية يعزز خيار.. الحرب


محمد شمس الدين
لا يزال المشهد السوري يطغى على ما عداه من حوادث على امتداد المنطقة. فالبرغم من القساوة التي تشهدها ليبيا بفعل التدخل العسكري الدولي فيها، فإن ما يجري في سورية، يشكل الى حد كبير الانعطافة الاساسية للمنطقة وتحولها الى الاتجاه الذي تختاره دمشق تحديداً في ظل أي حكومة فيها. لكن الواضح حتى الآن أن المشهد لن يتغير على المستوى الإقليمي وفي قضايا الصراع الأساسية، ولا سيما تلك التي يُطلب من سورية التنازل حيالها، بعدما استطاعت الحكومة السورية إحكام سيطرتها على المناطق المتمردة على السلطة وضرب المخلين بالأمن فيها بحسب ما افادت به مصادر مطلعة متابعة للشأن السوري الداخلي، مؤكدة أن السلطات قد بلغت مرحلة النهاية، في إعادة الأمور الى نصابها في كل المدن والمحافظات السورية.
 ما تشير اليه المصادر نفسها، هو أن تغييرات كبيرة ستطرأ على المشهد السوري الداخلي في ظل الإصلاحات التي بدأ تنفيذها من الناحية العملية، لكنها ستبدأ بالتبلور إعلاميا بعد انحسار اخبار الأوضاع الأمنية، التي تستغلها وسائل الإعلام المعادية التي تتبنى تسويق مشروع الانقلاب على الدولة وإطاحتها بتمويل خارجي اصبح معروفا لدى الجميع. فالثابت أن الحكومة تعمل بشكل حثيث على تطبيق البرنامج الإصلاحي وفق منظور علمي متطور، وهي تسير غير متأثرة بالتهديدات الخارجية ولا بالحوادث المتنقلة في أكثر من مكان، لكنها تدرك أن تلك الحوادث لن يطول أمدها، ولن تتسع جغرافيتها، لأن السلطات الأمنية والعسكرية قد استوعبت الموقف وهي تتعامل معه بحزم، في حين أنها تصبر على بعض الممارسات بهدف عدم الانجرار الى ما يريده المخططون من الدول الراعية لبرنامج التخريب في سورية.
 اما على صعيد المشهد الخارجي، فإن دمشق هيأت برنامجا حافلا ستبدا تنفيذه قريبا جدا حيث ستضطلع دبلوماسيتها عبر العالم بمهام «الهجوم» على كل من حاول العبث بأوضاعها الداخلية، وصولاً الى مساءلته أمام القضاء الدولي مدعمة بأدلة كافية على التورط، إن من الغرب القريب والبعيد أو من الدول العربية التي يجب أن تتهيأ بدورها لمواجهة حقائق تَدخلها وتتحمل حيالها كامل المسؤولية. فالعاصمة السورية ليست في وارد التنازل عن دورها في اي من الملفات التي كانت معنية بها قبل الحوادث الأخيرة، علماً أن موقفها قد يصبح أكثر تشددا فيها بعدما ظهرت النوايا بوضوح تجاه حكمها ومساره ومسيرته، ولا سيما في قضية الصراع الأساسية مع «إسرائيل»، حيث مثّل تحرك الفلسطينيين واللبنانيين في يوم النكبة في 15 ايارعند الحدود مع فلسطين المحتلة، أولى الرسائل الجدية باتجاه الدولة العبرية التي عليها بحسب المصادر المتابعة نفسها، أن تقرأها جيدا لتعرف أن الآتي سيكون عظيما على المستوى السياسي، ناهيك عن المستوى الأمني والعسكري الذي اصبح من أساسيات اللعبة سورياً، في ما يعني الصراع العربي – «الإسرائيلي» خصوصا على الجبهة السورية، وهو ما تعرفه «تل أبيب» جيدا بعدما فرضت تجربة عدوان «إسرائيل» على لبنان في الـ2006 وما حققه التصدي البطولي لها من «استراتيجيات حربية» تقول دمشق إنها لن تتخلى عن اعتمادها كخيارات بعيدا من نظريات الحرب الكلاسيكية التي تقودها الجيوش، والتي أصبحت بدورها أكثر أهلية من ذي قبل.
 يقودنا هذا السياق الى طرح السؤال حول مستقبل الأوضاع على جانبي الحدود الثلاثية الفلسطينية المحتلة – السورية – اللبنانية، بعد فشل المحاولة الأخيرة لضرب سورية وإسقاطها، والتي تُعتبر بشكل فعلي آخر العقبات التي تعترض المشروع الأميركي – «الإسرائيلي» للسيطرة على المنطقة وضرب قوى الممانعة والمقاومة فيها؟.. ليأتي الجواب سريعا بأن المتوقع هو عودة السخونة اليها، حيث ستلجأ «إسرائيل» مرة جديدة الى خيار استخدام القوة باتجاه لبنان ومقاومته وسورية ومقاومتها، والتي لم تنفع محاولات زعزعتها، لا من خلال الضغوط الدولية المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، ولا من خلال تحريك الداخل لإسقاط حكومتها ما وضع «إسرائيل» أمام «مأزق» المواجهة، وهي حاولت وتحاول الهروب منه بعد تجربة العام 2006 بالرغم من كل الجهوزية التي تدعيها، كما استمرت تعمل منذ ذلك الحين على إعادة بناء قوتها انطلاقا من التجربة، لكنها تبدو غير واثقة مما قد تقدم عليه، لاعتبارات عديدة، أهمها ما اصاب جيشها من روح انهزامية سيطرت عليه، وهو ما انعكس فشلا في كل أجهزتها في العديد من المحطات ولا سيما الاحتكاك الأخير مع تحرك 15 ايار عند الحدود وما اسفر عنه، في وقت أظهر فيه الشباب وعياً وإرادة غير مسبوقين لتحدي المستحيل وهما الأمران اللذان كانت «الدولة العبرية» اعتبرت أنها قد تمكنت من كيّهما خلال أكثر من نصف قرن من الصراع الدموي والمحتدم، في أغلب الأحيان.
 لا تتحدث المصادر المتابعة للشأن السوري عن توقيت معين، لما يمكن أن تقدم عليه «إسرئيل» من أجل تحقيق الأهداف التي فشلت حتى الان في تحقيقها، وفي مقدمتها ضرب حزب الله في لبنان وتدمير منظومة سلاحه لتعود مرة جديدة الى سورية لتطويعها. وتؤكد المصادر، أن خيار الحرب دائم وثابت بالنسبة الى «إسرائيل» لكنه قد يكون أصبح خيارها الوحيد على الأرجح في غياب الأفكار البديلة أولا، والتعنت وعدم التنازل ثانياً. لكن الاستعداد لدى المقاومة وسورية لم يتوقف لحظة حتى في أحرج الظروف، التي تواجهها المنطقة، لأن قضية الاستعداد ما زالت مستمرة خارج سياق الزمان والمكان.          

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار