الحكومة.. «يأس وبؤس» و«مسؤولية دستورية»
الحكومة.. «يأس وبؤس»
و«مسؤولية دستورية»
http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=31266 البناء 5 أيار 2011
محمد شمس الدين
«اليأس والبؤس» اللذان شعر بهما رئيس المجلس النيابي نبيه بري حيال مسألة تشكيل الحكومة لم يكونا سوى تعبير عن حالة الإفلاس، التي وصلت اليها الأمور في لبنان بعدما سقط الرهان على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، في أن يكون «وسطيا» كما ادعى. إذ إن أداءه منذ لقاء دار الفتوى الشهير سجل «انحيازا» واضحا الى الضغوطات التي تعرض لها من قبل الداخل أولا، ومن الخارج ثانيا، حتى بات السؤال مشروعا حول ما إذا كان الرئيس ميقاتي، ومعه رئيس الجمهورية، على علم بما كان سيحدث في المنطقة، وتحديدا في سورية التي على ما يبدو انها ملّت تكرار عبارة أنها لن تتدخل في صياغة الحكومة في لبنان، وهي صرحت أكثر من مرة بضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة لما لها من انعكاسات على تماسك الوضع في لبنان وارتباطه بضبط الأوضاع في سورية، بعدما تبين أن هناك من يسعى في لبنان الى التدخل في الشأن السوري، ما يوجب على الدولة اللبنانية تحمل المسؤولية انطلاقا من الاتفاقيات المعقودة بين البلدين، ولكن السؤال يتمحور حول الجهة التي ستتحمل تلك المسؤولية ما إذا كانت في السلطة، وماذا سيكون موقفها وطريقة تعاطيها مع هذا الملف البالغ التعقيد؟.
وصل «التلكؤ» في تشكيل الحكومة الى حد «المؤامرة»، في حين أن الدستور واضح في تحميل كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف مسؤولية التشكيل، إذ يعهد اليهما الدستور وحدهما بهذا الأمر، ما يفرض عليهما إعلان التشكيلة الحكومية والقفز فوق كل الاعتراضات، لأن «الضرورات تبيح المحظورات»، وتلك الضرورات بلغت ذروتها من الفلتان والفوضى، اللذين عمّا العديد من القطاعات الاقتصادية بينما بدأ التلويح بصعوبات قد تطال دفع رواتب الموطفين وصولا الى السجون التي احترقت وكادت تحرق البلد برمته، وهي ما زالت معرضة لذلك بسبب غياب الحلول لأزمتها. وما سيبرر إقدام الرئيس المكلف على إعلان تشكيلته، هو أنه لم يستطع التوصل الى اتفاقات حول التشكيلة مع الأطراف المعنية، وهذا سبب كاف لجعله يمد يده الى جيبه ويسحب الورقة التي بات الجميع تواقا الى معرفة ما فيها في حين أن ميقاتي نفسه يحتفظ ويلوح بها وهو يرى التدهور الذي يحصل في البلد بأعصاب باردة.
ليُقدم الرئيس المكلف على إعلان تشكيلته بالاتفاق مع رئيس الجمهورية وفقا للدستور، وهو كان قد استمزج آراء كل الأطراف ويعرف مطالبها، كما أنه يدرك في الوقت نفسه أنه من غير المعقول أن يرضي الجميع في تشكيلة من شأنها أن تعالج القضايا الحياتية قبل السياسية التي على ما يبدو ستتخذ مسارات مختلفة بعد التحولات التي تشهدها المنطقة. فالحكومة اللبنانية العتيدة لن تستطيع الصمود لأكثر من الفترة المتبقية لولاية المجلس النيابي، وهي فترة زمنية قصيرة نسبيا قياسا بحجم الحوادث والأزمات الاستراتيجية الموجودة، وتلك التي ولدت، وتلك التي ستولد، حيث يعتبر المشكلون للحكومة أن المطلوب منهم مواجهتها بما يضمن استمرارهم، وإلا فإن التأخير ستكون له أسباب لا تتصل بموضوع حقيبة وزير الداخلية، أو ما شابه، وقد تتصل فعلا بتنفيذ إملاءات خارجية لها علاقة بعملية خلط الأوراق الجارية في المنطقة على ضوء الحوادث التي تشهدها.
ما يعزز هذا الاعتقاد هو أن سورية أرسلت مستعجلة التشكيل، وأن أطرافها يستعجلونه أيضا، كما أنه ليس هناك ما يدعو الى إرضاء الجميع، أو أخذ موافقتهم على إعلان حكومة متكاملة، خصوصا أن معارضي تلك الحكومة ليسوا قلة فلا بأس في أن يزداد عددهم واحدا، ولتنتقل البلد الى مرحلة ما بعد الحكومة، والبدء بمرحلة التسويات على الثقة تحت قبة البرلمان، في إطار عمل تشريعي كامل يطالب به الجميع.
المسألة هي بهذه البساطة. وأي تأخير يحصل في التشكيل إنما يتحمل مسؤوليته المباشرة المعنيان بموجب الدستور «رئيس الجمهورية والرئيس المكلف» ولا أحد سواهما، وكل ما عدا ذلك هو هرطقة، خصوصا إذا ما تعذرت التوافقات المفقودة أصلا، بعد رفض فريق سياسي كامل أصل المشاركة في الحكومة.
السؤال المطروح هو عما إذا كان التفتيش الحاصل هو عن اسم لوزير الداخلية، أو عن أسم لرئيس حكومة جديد، بعد انحياز ميقاتي إما الى مصالحه في الوسطية، أو خضوعه لإملاءات خارجية وداخلية. في حين أن المأزق الحالي يعيد طرح إعادة تشكيل حكومة «وحدة» ربما يحتاجها فريقا النزاع في إطار تسوية ما، لكن مأزقا جديدا سيظهر من خلال اختيار شخصية «مستقلة» لرئاسة الحكومة من خارج نادي رؤساء الحكومات، لأن استعراض الأسماء الذي تم فعلا لا يؤشر الى من هو «مستقل» في حُمّى الخلافات المستفحلة. فالأكثرية الجديدة التي صدمت بـ»انحياز الوسطية» ليس لديها إسم بعينه من شأنه أن يرضي طرف التسوية الآخر، والذي لا يرى إلا في سعد الحريري أو سعد الحريري.. من هو مؤهل لذلك.
تعليقات