خدام يعكس.. المأزق؟!


خدام يعكس.. المأزق؟!

البناء 16 ايار 2011
محمد شمس الدين

قد يكون ما قاله عبد الحليم خدام للقناة الثانية في التلفزيون «الإسرئيلي» حول استعداد قوات حلف الناتو ومعها تركيا للتدخل العسكري خلال أربعة أسابيع في سورية أمرا صحيحا إذا لم يسقط الحكم بحسب خدام نفسه. ذلك أنه يعكس المخرج المحتمل للأزمة أو «المأزق» الذي وقع فيه الغرب (الإدارة الأميركية وبعض العواصم الأساسية في أوروبا) بمشاركة بعض العواصم العربية، في شمول سورية في لعبة خلط الأوراق بهدف إعادة جمعها على أسس جديدة بعد فشل محاولات التغيير الاستراتيجي المتكررة لسياسة المحاور الإقليمية التي ترسخت، ولا سيما بعد فشل «إسرائيل» في تغييرها بمحاولاتها القضاء على حزب الله في الحرب التي شنتها عليه في العام 2006.
مجرد إعلان خدام عن «خطة التدخل» لقوات حلف شمال الأطلسي «الناتو» وتركيا، إنما يعني أمرين: الأول، إخفاق المحاولة الغربية في إيصال عملية التغيير التي يقودها في المنطقة الى سورية، كما فشَل الرهان على ما يسمى بـ»المعارضة السورية» التي اعترف خدام بأنها تحصل على تمويلها من تلك الدول في مقابل ثمن بسيط بالنسبة اليه وهو عقد اتفاقية سلام مع «إسرائيل» على قاعدة المبادرة العربية «السعودية» للسلام. الثاني، هو «المأزق» الذي صنعته الدول الغربية لنفسها إذا لم تستطع تغيير سورية في هذه الفترة واللحظة المناسبتين جدا بالنسبة اليها، لأن خروج سورية معافاة من الهجمة الداخلية والخارجية هذه المرة سينعكس تصلبا وقوة لها في مختلف ملفات المنطقة التي تضطلع بها، ما سيزيد الأمور تعقيدا حيث ستسقط كل مشاريع الإدارة الأميركية المستنفدة اصلا، والتي لم يتوصل العقل الأميركي بعد الى اجتراح افكار بديلة منها بإمكانها تسجيل اختراق ما، أو تدوير الزوايا في عملية المقصود منها فقط تأمين الحماية المطلقة لـ»إسرائيل» في الشرق الأوسط، وإعادة الاعتبار الى دورها الذي فقدته في 33 يوما من الحرب بعد بنائه على مدى 33 سنة في الحد الأدنى بالبعد السياسي، أي بعد اتفاقية «كامب دايفد»، وبعد اكثر من 50 عاما من التفوق الاستراتيجي في ميزان القوى ولا سيما العسكرية منها. وفي هذا السياق لا بد من ملاحظة ما يمكن أن يخدمه هذا التدخل في حال حصل، من أهداف للإدارة الأميركية داخل الولايات المتحدة على صعيد معركة الرئيس باراك أوباما الانتخابية للفوز في ولاية ثانية.

 ما يحصل يعكس بشكل واقعي الهجمة الدولية لرسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة من خلال تجديد قواعد السيطرة الكاملة عليها وإزالة بعض القوى «الشوائب»، التي يعتبر الغرب أنها ظهرت في الربع الأخير من القرن الماضي، والمقصود بها إيران وبعض القوى المنتشرة في أكثر من بقعة فيها ومنها حزب الله في لبنان، كما سورية التي لم تخف توجهاتها المقاومة والممانعة أو «المحورية الشريرة» بحسب النظرة «الإسرائيلية» والأميركية، لأنها تخالف سياسات معظم الأنظمة العربية الحليفة بعد تولي الرئيس بشار الأسد سدة المسؤولية في العام 2000 إثر وفاة والده الرئيس حافظ الأسد الذي طالما استطاع تدوير الزوايا في اللعبة الإقليمية. فاحتمال تنفيذ عملية عسكرية ضد سورية يُمَهّد له على الأرجح عبر تصعيد اللهجة التركية ضدها مع توقعات رئيس الوزراء التركي رجب الطيب أردوغان بتقسيم سورية إذا استمرت الاحداث فيها، في حين أن احداً لا يريد أن يسمع أن الحكومة في سورية قد استطاعت السيطرة على الموقف وحسمه لمصلحتها، بينما تُستَغل أعمال النزوح «المفتعلة» للسوريين عبر الحدود اللبنانية للإيحاء بأن أعمال العنف ضد المدنيين السوريين إنما تجري على قدم وساق وعلى أسس مذهبية أو طائفية في محاولة لتبرير أي تدخل عسكري دولي تحت شعار حماية المدنيين، الأمر الذي لم ينجح على جهات الحدود الأخرى لسورية مع كل من العراق وتركيا والأردن لاعتبارات مختلفة منها ما يتعلق بالجغرافية، ومنها ما يتصل بطبيعة التحركات الشعبية التي جرت السيطرة عليها في أماكن بينما هي غير موجودة في أماكن أخرى.
المأزق نفسه ناجم عن عدم التوصل الى أية تسوية مع إيران إن على الجانب العربي أو على الجانب الأميركي حيال نفوذها المضطرد في المنطقة وفي الموضوع الفلسطيني تحديدا، أو في ترتيب ملفها النووي المقلق لـ«إسرائيل» من الناحية الأمنية، ولأوروبا من الناحية الاقتصادية حيث يوفر منافسة شديدة لها في مجالات بيع الطاقة ولا سيما في الاستخدام الصناعي، ناهيك عما قطفته الجمهورية الإسلامية من ثمار لزرع زرعته الولايات المتحدة في العراق بعد غزوها له في الـ 2003 وكان أوله منعها من تحقيق أهدافها وتحويل الاحتلال الى أهداف إيرانية سياسيا، عسكريا، أمنيا واقتصاديا.

ما يتصل بالمأزق أيضا هو ما خلفه فشل «إسرائيل» في الـ 2006 في القضاء على حزب الله في لبنان، والذي عمل بدوره على تحويل الفشل «الإسرائيلي» الى انتصار حقيقي سعى العالم بأسره منذ ذلك التاريخ الى منعه من أن يصير واقعا ملموسا لما يعنيه من تحولات في الصراع، ونسف لكل ركائز الاستعمار الجديد الذي حفظ للولايات المتحدة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة لعقود طويلة. فقد مثلت التطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ اكثر من خمس سنوات وجها آخر لكل أنواع الصراعات التي خاضتها المنطقة الى أن حانت لحظة التغيير الأميركية عبر استغلال التحركات الشعبية العربية لترتيب انعطافتها في الاتجاه الذي يخدمها، فكانت الهجمة على سورية التي لا بد من أن تبلغ مداها الأقصى قبل الحكم على النتائج الأمر الذي قد يحوّل ما طرحه خدام بالأمس أمرا قابلا للتحقيق.

ليس من المنطقي إغفال البعد المذهبي والطائفي الذي تبني عليه بعض الأنظمة الحاكمة في المنطقة في إدارتها للعبة السياسية وللسياق الذي تأخذه الحوادث الجارية فيها، ولا سيما على صعيد التحالفات والدعم الذي تتلقاه المجموعات التي تمثل رأس حربة في المواجهة وإن اتصفت في مرحلة معينة بـ«الإرهاب»، لتتضح صورة المأزق الفعلية في ما لو استطاع الرئيس الأسد إعادة التموضع داخليا وخارجيا.
من علامات المأزق أيضا هو ما يتعرض له لبنان من تدخلات تمنعه من تشكيل حكومته التي بحسب تركيبتها ستعلن المواقف الدولية تجاهها على حد قول السفيرة الأميركية في لبنان مورا كونيللي التي يستبطن تصريحها قرارا بـ«رفع الحظر» عن التشكيل، ولكن بفرض توجه سياسي ما ينسجم مع يمكن أن تشهده المرحلة المقبلة من تطورات ربما تكون إحداها السيناريو الذي كشف عنه خدام. لكن الملاحظ أن الجهات المستهدفة من سورية الى إيران الى حزب الله في لبنان وكل من يدور في فلكهم، لم يبادروا الى التحرك مكتفين بالتعامل مع التطورات ببرودة، ما يعني ان كل الأوراق التي يمتلكونها في الصراع «الوجودي» الذي يخوضونه لم يُلعب أي منها بعد.. ربما بانتظار الأسوأ.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار