أوباما والهروب في لحظة الفتن

 

أوباما وخطة «الهروب»
الأميركية في لحظة الفتن


محمد شمس الدين
ليس من السهولة بمكان، أن تترك الولايات المتحدة الأميركية المنطقة، وتنسحب من كل التزاماتها التي عملت على توثيقها فيها، منذ ما يقارب المئة عام، حتى وإن كانت راغبة في ذلك أو انها ترزح تحت ضغطي العامل الإقتصادي والإفلاس المالي، واللذين بالإمكان التعامل معهما بشتى الطرق، ولا سيما ان سياسة الإستفادة من الثروات بواسطة العديد من الاساليب المشروعة أحيانا، وغير المشروعة في أغلب الأحيان، إنما تضعها الإدارة في واشنطن، ضمن أولويات البحث في أي مشروع لها عبر العالم.
 يدور النقاش حاليا حول ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير، وما إذا كان فعلا يعكس برنامجا أميركيا لترك المنطقة، والانسحاب منها، انطلاقا من عوامل عدة، أو أنه إعلان عن إعادة تموضع أميركية في المنطقة تنسجم مع المتغيرات التي طرأت عليها في الشهور الخمسة الأخيرة، حيث بات واضحا أنه من المستحيل أن تحافظ على صورتها السابقة في ظل الانقسامات الحادة التي فرضتها الظروف الجديدة، في حين أن الولايات المتحدة التي ساهمت بشكل أو بآخر في ما حدث من تغييرات، إن من خلال التخطيط لها، أو من خلال دخولها على الخط في لحظة معينة، للالتفاف عليها، أو تفاديا لأية تداعيات غير محسوبة، لا بد أن تترك لنفسها قيادة العملية السياسية فيها كما يحصل حاليا في مصر أو تونس أو ما ستسفر عنه الأوضاع في ليبيا واليمن. لكن ذلك يحصل بمجمله حاليا من خلال القنوات العربية بشكل كامل، وتحديدا من خلال المملكة العربية السعودية وقطر اللتين تُرِكت لهما إدارة الموقف بما يتناسب مع تطلعاتهما، ولكن ليس بعيداً من ثابتتين، الأولى: حفظ الحد الأقصى من المصالح للولايات المتحدة في المنطقة، وإقامة التوازن في توزيع الحصص الاقتصادية بينها وبين أوروبا الشريك الجديد للعالم العربي، مع حفظ دور كامل لتركيا في هذه الشراكة. الثانية: ضمان أمن «إسرائيل» وإفساح المجال لها في استعادة دورها في التفوق الاستراتيجي المكفول بمعاهدات واتفاقيات، تثبّت مبدأ عدم الاعتداء، وذلك من أجل توجيه الجهود في اتجاه ما يمكن اعتباره عدوا مشتركا وهو إيران.
 وعلى قاعدة «أن اهل مكة أدرى بشعابها» فإن الولايات المتحدة الأميركية قررت الانسحاب «التكتيكي» من المنطقة بعدما ثبت لديها بـ»الوجه الشرعي» أن بعض أنظمتها «الحالية» و»الجديدة» قادرة على تحمل المسؤولية في مواجهة «الأهداف المشتركة» وحماية المصالح، وهو ما عبّرت عنه أولا من خلال التعامل مع ما حصل في البحرين، وإدخال قوات «درع الجزيرة» اليها، في مهام قتالية، وهو ما أرسل في الوقت نفسه رسائل الى إيران، بأن الخليج «العربي» مستعد للمواجهة العسكرية معها إذا ما أرادت ذلك، أو في حال صدور أي ردة فعل عنها. في حين أن ما كشفته طهران عن وصول أسراب من الطائرات الحربية «الإسرائيلية» الى القواعد العسكرية في اكثر من دولة خليجية إنما يؤكد هذا المنحى. كما عبّرت قيادات تلك الأنظمة ثانيا، عن قدرتها على التخطيط وأن تكون رأس حربة في «حملة التغيير» في اكثر من بلد عربي، وهو ما اضطلعت به قطر، إن عبر ضخ الأموال «الى الثورات»، أو عبر تولي توجيه اقوى الوسائل الإعلامية التي تملكها أو «تمون» عليها للتحريض، وصولا الى اختلاق الأكاذيب وتزوير الأفلام.
 لكن مسألة انسحاب الدور الاميركي من المنطقة، أو تراجعه، إنما ينطبق عليها المثل القائل «إذا كان الدخول عملية إرادية فإن الخروج ليس كذلك»، خصوصا وأن حجم التورط الأميركي في العديد من المسائل الشائكة، لا يسمح بتنفيذ برنامج الولايات المتحدة الانسحاب بالحد الأدنى، والهروب من الأكلاف المترتبة على ذلك، وهي التي زرعت هذه الفوضى العارمة في المنطقة، في لحظة هياجها وجموحها، الى السيطرة على مقدراتها، ما يؤكد أن الدولة «الأعظم» في العالم، قد خطت خطوة تفوق عظمتها عندما قررت إطلاق «مشروع الشرق الأوسط الجديد» من دون التدقيق في حسابات حقل المنطقة وبيدرها. لكن المؤكد أيضا أن حسابات الولايات المتحدة كشفت عن أن بقاءها في وضعيتها الحالية، سيجبرها على دفع الثمن باهظا في ظل التوتر الشديد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، والخليج منه تحديدا، بعد التغييرات والحوادث التي طرأت في الفترة القصيرة الماضية وما زالت تردداتها مستمرة في اكثر من دولة، ولا سيما سورية التي استطاعت النفاذ من هذه الحملة «العربو- دولية» عليها لتغييرها، لأن القناعة الثابتة بالنسبة الى كل الإدارات السياسية التي مرت في تاريخ الولايات المتحدة، تقول بأن «من يملك مفتاح سورية، إنما يملك مفتاح الشرق الأوسط برمته».
لقد أسست الولايات المتحدة قبل إعلان اوباما الأخير، لأكبر الفتن، بما يخدم مشروعها ومشروع «إسرائيل» الاستعماري التفتيتي في المنطقة، ويبدو ذلك جليا من خلال معظم الأزمات التي تعصف في أكثر من بقعة فيها، من وسط آسيا الى المغرب العربي، الى الخليج فالعراق، وصولا الى سورية ولبنان الذي تمنع عليه الإدارة الأميركية تشكيل حكومته كجزء من سياسة المتاريس المرفوعة، للمواجهة بين المحورين المتصارعين في المنطقة، بانتظار لحظة الانفجار، أو التسوية غير المرجّحة حتى الآن.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار