«لا حرب ولا سلم من دون سورية»
«لا حرب ولا سلم من دون سورية»
البناء 7 نيسان 2011
http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=29444
محمد شمس الدين
لا تزال الدوائر المتخصصة في الإدارة الأميركية تبحث بشكل مضطرد الأوضاع التي تجري في سورية على ضوء الحوادث التي شهدتها منذ فترة، في محاولة لتقييم الأمور انطلاقاً من التغييرات التي حصلت وتحصل في بعض البلدان العربية. إذ لم يعن شيئاً لتلك الدوائر ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حول الوضع في سورية من أن «النظرة الى سورية تختلف عن تلك التي تعيرها الولايات المتحدة الأميركية الى باقي الدول، وأنه لا يمكن التعامل معها كما تعامل المجتمع الدولي مع ليبيا مثلا»، ما يشير الى أن هناك رأيين يسودان في الكواليس السياسية الأميركية يعبر الرأي الآخر المعاكس لكلينتون عن ضرورة الحزم تجاه سياسة الرئيس بشار الأسد لاعتقادهم بأن الظروف قد نضجت لممارسة أعلى مستويات الضغوط من اجل تحسين الشروط في أكثر من ملف تضطلع به دمشق في المنطقة ولا سيما باعتبارها من دول الممانعة أو من «محور الشر» بحسب التعبير الأميركي.
مصادر دبلوماسية غربية في بيروت أكدت وجود مثل هذين الرأيين مشيرة الى أن بعض من في الإدارة الأميركية يوافق على السياسة التي كان يتبعها الرئيس السابق جورج بوش في تعامله مع الشرق الأوسط، إلا أن نهج الرئيس الحالي باراك اوباما يعتمد أكثر على الدبلوماسية من أجل تحقيق الأهداف خصوصا على المستوى الإقليمي، وما هو مطلوب من سورية لناحية تقديم تنازلات حياله. وينطلق أوباما في ذلك من أن تجربة العراق لم تؤد الى اية نتائج تذكر، في حين أنه دخل عسكرياً على خط ما يجري في ليبيا بحذر شديد وفقط انسجاما مع طموحات فرنسية ورغبة في مجاراة الحلفاء الأوروبيين على غرار ما أقدموا عليه أثناء الحرب على العراق في 2003. لكن سياسة أوباما في اعتماد الدبلوماسية بحسب المصادر نفسها لا تعني أنها غير راغبة في تغيير جذري في سورية أو في أي مكان تعتبره عائقا امام تنفيذ سياساتها في المنطقة، إلا أنها تجد في ذلك صعوبة، عدا أنها غير ضامنة للنتائج في حال إقدامها على عمل غير محسوب لا على المستوى السياسي ولا على المستوى العسكري إن لجهة الأكلاف أو التداعيات الاقتصادية المحتملة.
يزن الأميركيون الأوضاع في سورية بميزان من الذهب بعدما فشلت الإدارة الأميركية السابقة في تغيير سورية أو حتى تطويعها بالرغم من كل المحاولات الجادة التي نفذتها خصوصا في ظل مشروع الشرق الأوسط الجديد وبعد أن وطأت أقدام الجيش الأميركي أرض العراق، لكن العين الأميركية بقيت مسمرة على سورية باعتبارها عنوان التغيير الأميركي و»الإسرائيلي» والبعض العربي المنشود، لكنها فشلت. في حين أن موجة التغييرات التي اجتاحت العالم العربي قد أعادت الأمل الى هؤلاء بتكرار المحاولة من الداخل هذه المرة، لكنها فشلت ايضا بمعيار المصادر الدبلوماسية الغربية نفسها التي أقرت بأن سورية تشكل فعلا عنوانا لأي تغيير سياسي على مستوى المنطقة انطلاقا من جملة أمور اولها الموقع الجيواستراتيجي لسورية الذي يوفر لها بناء تحالفات سياسية استراتيجية ايضا ما يحصن موقفها في قضايا الصراع الرئيسية في المنطقة، وثانيها تركيبتها الديموغرافية المتنوعة التي تزيد من قوة وصلابة موقعها وموقفها معا.
تستقر البوصلة العربية في دمشق بعد أن استقرت طويلا في القاهرة، ذلك أن مصر لم تزل ترزح تحت نير ما عقدته من اتفاقيات مع «إسرائيل» إثر حرب تشرين 1973، كما أن لا شيء يؤشر الى أمكانية الخروج من عبئه بالرغم من التغييرات الهامة التي جرت بفعل إسقاط نظام حسني مبارك، ما يعني أن سورية ما زالت تطبق على قرار السلم وفق معادلة وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق هنري كيسينجر «بأن لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سورية»، في حين أن الأخيرة أطبقت ايضا على قرار الحرب بعد أصرت على تبني خيار المقاومة وبشكل واضح وغير خاضع لمنطق التسويات، اي أن دمشق لا تنظر الى المقاومة على أنها ورقة تستطيع المساومة عليها ساعة تشاء وذلك بالرغم مما مورس معها على مدى عقود لا سيما السنوات العشر الأخيرة من سياسة «العصا والجزرة».
قد لا تمس الثورات العربية التي حدثت في كل من تونس ومصر وما يحدث في ليبيا واليمن وحتى ما يجري في البحرين أو ما سبقها من احتلال اميركي للعراق الاستقرار العام في المنطقة إن على مستوى الخارطة السياسية أوالجغرافية. غير أن اي تغيير يحصل في سورية سيكون له تاثيره الحتمي على تلك الخارطة، أي أن تقسيم المنطقة وتفتيتها كما تشتهي «إسرائيل» إنما يبدأ من تقسيم سورية الذي لن تسلم منه تركيا ايضا، الأمر الذي دفع بقادة الخليج الى اتخاذ موقف حاسم في استنكار ما يجري في سورية ودعم ما تقوم به الدولة هناك من إجراءات للإصلاح.
لقد رسم خطاب الرئيس الأسد الأخير امام مجلس الشعب السوري الأسبوع الماضي سقفاً لكل التحركات السياسية وحتى الشعبية، ووجه رسالة مفادها ان حدود الثورات تقف عند اسوار سورية «المقاوِمة والمقاوَمة» كما ورد حرفيا في نهاية خطابه، ليضع حدا لعمليات الاستغلال السياسي تحت عناوين مطلبية وإصلاحية كان قد بدأ بتنفيذ خطتها منذ توليه سدة الرئاسة عام 2000.
تعليقات