الأسد.. لن يسلّم سوريا


الأسد.. لن يسلّم سوريا
محمد شمس الدين
 بينما نستمر في التأكيد على وجود «المؤامرة» من حولنا، يتحول المشهد السياسي في لبنان تدريجيا الى اللون القاتم ولا سيما بعد الحوادث التي شهدتها وتشهدها سورية، التي دخلت منذ يومين مرحلة الحسم على ما أوحى به قرار الحكومة السورية بالدخول العسكري على خط مواجهة العصابات المسلحة التي اتخذت من الشعارات المطلبية ستارا من أجل تنفيذ البرنامج السياسي الذي وضعته بعض الدول العربية بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأميركية، وبدأ تنفيذه منذ حوالى الثماني سنوات تاريخ الغزو الأميركي للعراق، وصولا الى الحرب «الإسرائيلية» على لبنان في الـ2006، والتي شكلت خسارة «إسرائيل» للحرب أمام حزب الله إعادة خلط للأوراق المعمول بها منذ ما يقارب السبعة عقود تاريخ نشوء الكيان «الإسرائيلي» واحتلاله فلسطين عام 1948.

 ما تشهده سوريا اليوم من شأنه أن يُدخل المنطقة برمتها في أتون صراع جديد من نوعه، لا يعلم أحد المدى الذي يمكن أن يبلغه في حال تمكنت ايادي ذلك المشروع التي باتت معروفة الهوية والانتماء من زعزعة الاستقرار في سورية، على ضوء الإصرار الذي تبديه الدول الممولة له، والذي يظهر من خلال المواقف التي تعلنها، إن بشكل منفرد أو منظم، عبر ما يسمى الأمم المتحدة، عدا الاستعداد الى تكرار التجارب في التدخل العسكري المباشر تحت شعار حماية المدنيين. فما تعلمه الدول القادرة على التدخل العسكري مثل الولايات المتحدة أو بعض «الصقور» الأوروبيين مثل فرنسا عن الانعكاسات السلبية لمثل هذا الصراع في المنطقة، يبدو أن الدول العربية التي تتبناه تجهل ما يمكن أن تنزلق اليه على مستوى استقرارها السياسي والاقتصادي وصولا الى تهديد وحدتها الجغرافية والسياسية، ليرتسم السؤال هنا حول المكاسب المنتظرة من ولوج هذا الصراع الذي سيتحول في لحظة، الى صراع مذهبي اصبحت ادواته مدمرة بشكل كلي. في حين أن كلا الطرفين المعنيين في هذا الصراع سيراهن على قوته في تثبيت استراتيجيته في التعامل مع القضايا المتنازع عليها التي باتت تمس اصل وجود كل من المنظومتين المتصارعتين.

 ما يجب أن يعلمه ويقر به الجميع، هو أن الأمور في سوريا ستكون مختلفة بالفعل عما جرى ويجري في غير دولة عربية، وأن مساحات «النزهة» الأوروبية والأميركية وبعض العرب من حلفائهما لن تكون هي نفسها، كما لا يمكن ان يحقق التشدق من على المنابر الدولية الأهداف التي يسعى المتشدقون اليها بالسهولة نفسها التي تحققت في غير بلد عربي. وبصورة أوضح، فإن خيار سورية أن لا تسلم نفسها لأولئك المتشدقين لا مباشر: ولا غير مباشرة، كما لن ينفع الترهيب ولا الترغيب، إذ أن المعادلة التي تمسك بها سورية كدولة دقيقة جدا، وهي وضعت منذ تولي الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد السلطة بانقلاب عسكري في مطلع الستينيات، تمكّن سورية من قلب الطاولة على الجميع في حال اضطرت الى ذلك، وهي المعادلة نفسها التي تمنع الرئيس السوري بشار الأسد من تسليم سورية لأي كان في اطار ما يطرح من مشاريع مناقضة لتلك التي عاشت عليها سورية خلال الأربعين عاما الماضية، في حين أنها اصبحت أكثر تماسكا وقوة في العقد الأخير بفعل تغيّر المناخ السياسي في المنطقة وتفاعلها الإيجابي معه.

 لقد أثبتت التجارب العديدة التي مرت بها سورية أنها قادرة على التخلص من الضغوطات وقد احبطت العديد من محاولات إسقاطها وإخضاعها، ولعل ما تشهده اليوم هو الأخطر من حيث الأساليب التي اعتمدت تجاهها، وهي نجحت أيضا في التخلص من محاولة مماثلة إبان فترة حكم الرئيس الأسد الأب في حماه عام 1982. لكن على الرغم من اختلاف الظروف اليوم، فإن سورية لم تلعب بعد أياً من الأوراق التي بحوزتها إن في الداخل السوري او على المستوى الخارجي، بدءاً من لبنان الشقيق الاصغر والجار الأقرب، إذ أنه من المعروف أن الروابط التي تجمع بين البلدين ليس من السهل تفكيكها بالرغم من تبني البعض ذلك، سواء في لبنان أو في سورية، وبدعم دولي مطلق وهو ما أثبتته السنوات الخمس الماضية، وتحديدا بعد صدور القرار 1559 الذي استجابت له دمشق فاخرجت قواتها من لبنان على اساسه. وقد اعتبر صناع ذلك القرار في حينه أنه الخطوة الأولى على طريق فك المسار الواحد اللبناني – السوري خدمة لمشروع إعادة السيطرة الكاملة على المنطقة بعدما اصبحت «ناشزا» ببروز القوة الإيرانية فيها.

 لم يستطع القرار 1559 أن يفقد سورية مكانتها في لبنان وتأثيرها فيه بفعل تحالفاتها القوية مع حلفاء أقوياء يمكن الاتكال على قدرتهم في مواجهة كل الاستحقاقات بمعزل عن وجودها قربهم، وهي كانت عازمة على الانسحاب من لبنان حتى قبل صدور القرار الدولي المذكور وهو ما أعلنه الرئيس بشار الأسد في غير مناسبة. كما عجزت الدول «المصنِعة» لاغتيال الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري أن تفصل المسار اللبناني عن المسار السوري من خلال الاتهامات التي وجهتها المحكمة الدولية الى سورية وبالتالي الى حلفائها في لبنان، وهي لم تستطع ذلك من خلال قرار القضاء على حزب الله في حرب دولية عليه خاضتها «إسرائيل» معه على مدى ثلاثة وثلاثين يوما استخدمت فيها كل قدراتها وقوتها، لتعود تلك الدول اليوم وتطلب من سورية فك ارتباطها بحزب الله وإيران، وحماس في فلسطين، مقابل إطفاء التحركات في الداخل، إلا ان ذلك لن ينجح أيضا. فالرد السوري على ما يجري قد بدأ بحسم الأمور من خلال تصدي الجيش السوري لمحاولات زعزعة الاستقرار، وإذا لم تنجح، فإنه سيكون لزاما على لبنان المتأثر والمؤثر في مسار الحوادث التي تجري في سورية أن يقف الى جانبها لحمايتها من الحملة الدولية عليها كما حمته هي في كل ملماته، وأضعف الإيمان أن يتصدى لبنان لأي قرار دولي يجري التحضير له في مجلس الأمن حتى لا يتحول هذا البلد الى منصة تحرّك ضد سوريا، في الوقت الذي رفضت هذه الأخيرة على الدوام أن تتحول الى أداة لتطويق لبنان وإضعافه أمام الأطماع «الإسرائيلية».. فكيف ولبنان يملك أكثر من أضعف الإيمان!؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار