«الاعتذار».. والمسؤولية ؟!

«الاعتذار».. والمسؤولية ؟!

  http://www.elnashra.com/articles-1-26846.html                                 
محمد شمس الدين
لم تحل العقد التي يجري الحديث عنها في مسألة تشكيل الحكومة بعد، لا على صعيد حصص الأفرقاء المعنيين بالتأليف، ولا على صعيد توزيع الحقائب الوزارية عليهم.ذلك أن الخلاف الحاصل لا ينحصر بذلك وحسب، إنما يتعداه الى «هوية» الحكومة التي لو حسمت لكان من السهل التوافق على كل وزير وكل حقيبة وحتى حصة كل من الذين يهمهم امر المشاركة.
بين حكومة اللون السياسي الواحد وما يوصف بالوحدة الوطنية، يعود الحديث عن «التوازنات» القائمة في البلد بموجب التوزيع الطائفي الذي يكرسه الدستور.لكن تلك التوازنات التي يعتبر البعض بأنها «كُسرت» أو تكاد من خلال الشكل الذي ستشكل به الحكومة العتيدة، إنما يُعمل على تدميرها من قبل المروجين للفتنة الطائفية والمذهبية التي أطلت برأسها في غير مكان من العالم العربي، حيث «الثورات» أو تلك التي تعيش ارهاصاتها من دون معرفة الأفق الذي ستصل اليه.الأمر الذي تقف عنده مساعي التأليف التي يقودها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في بيروت، والتي بات من الضروري تحريكها إذا ما أراد اللبنانيون عدم الوصول الى درك الفتن التي تدق أبوابه هذه المرة بشكل فعلي، بعد أن كانت حربها تخاض في الإعلام للتخويف والترهيب من أجل تحسين الشروط في اية عملية سياسية كانت تخوضها الأطراف السياسية في لبنان.
ما يدل على ذلك هو الخطاب الطائفي والمذهبي الذي يتفاعل في كل العالم العربي حيث يتم التعبير عنه بشكل مخيف من على ملايين الصفحات على شبكة الإنترنت، والتي يتحدث اصحابها بوضوح عما يفكرون فيه، ما يؤكد أن المطلوب من «حرية التعبير» الإلكترونية هو ولوج الفتنة بين المكونات السياسية والطائفية التي تتشكل منها المنطقة وتحديدا لبنان، الذي يعتبر نموذجا مصغراً عما هو موجود فيها لكنه الأخطر على الإطلاق، حيث إن فيه هدفا دولياً و»إسرائيلياً» ليس موجودا في أي من البلاد العربية الأخرى وهو سلاح المقاومة.وفي هذا السياق تقول مصادر عليمة في الأكثرية الجديدة إن ما يؤخر تشكيل الحكومة في لبنان هي الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية على الرئيس المكلف والتي تؤكد على أمرين: الأول: إيجاد الصيغ الضرورية لحل مشكلة السلاح بعد فشل كل محاولات الحكومات السابقة، والتي شكلت مواقفها من هذه المشكلة السبب الرئيسي لفقدانها موقعها.الثاني: هو عدم تشكيل الحكومة من لون سياسي واحد حتى لا يتحمل ميقاتي وحده عملية كسر التوازنات السياسية والطائفية القائمة في لبنان والتي كرسها اتفاق الطائف، خشية أن يعود البلد الى مربع الاقتتال العسكري والفلتان الأمني في ظل ما يجري حاليا في المنطقة العربية.
المصادر نفسها تقول بأن هذين الشرطين هما المعطلان الحقيقيان لتشكيل الحكومة، وهنا لا بد من الاعتراف بأن الأقلية الجديدة قد استطاعت شل حركة الرئيس المكلف ومحاصرته وسط ثلاثة أمور: بين ما تريده الأكثرية الجديدة، وما تريده الأقلية الجديدة، وما يريده ميقاتي نفسه.إذ إن لدى الأخير حساباته الخاصة التي تنطلق من الصراع الذي فرضه عليه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري على الساحة السنية، بعدما نجح في تجييشها بدءاً من دار الفتوى وصولا الى ما يحكى عن تهديده بمصالحه في أكثر من دولة عربية، ولا سيما في السعودية، إضافة الى ما يساهم به الضغط الدولي والتهويل الداخلي المتناغم معه في إعلاء سقف الخطاب ضد السلاح.
لا يكمن الحل المرتقب بحسب المصادر نفسها في حكومة «تكنوقراط» بحسب ما يروَّج اخيراً، حيث ان جميع الأطراف لا توافق عليه ولو كان مطروحا كمرحلة انتقالية.في حين يشكل هذا الطرح «ضبابية» حيال البيان الوزاري الذي ستتبناه الحكومة في المسائل الأساسية كالمقاومة وسلاحها، كما لا يمكن تجاهلهما تحت أي عنوان ستحمله أية حكومة مقبلة منعاً لأي ثغرة قد ينفذ منها المتربِّصون شراً بهما في الخارج أو الداخل، ما يجعل من العقد المتداولة حول الحقائب والحصص أمراً تافهاً، فيبدو المشهد في ظل ذلك مفتوحا على أزمة قد تجعل من اعتذار ميقاتي أمراً مرجحاً ولو أن المواقف قد بلغت حد التحدي بتشكيل حكومة برئاسته، لكن الوصول الى هذا الخيار يكون بإرادة الرئيس المكلف الذي لم يستطع مقاطعة ما يريده مع ما يريده الآخرون، فيتحمل عند ذلك مسؤولية اعتذاره بنفسه. 
        

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار