المخرج بالعودة إلى الـ «س ـ س»

المخرج بالعودة إلى الـ «س ـ س»

البناء 11 نيسان 2011
محمد شمس الدين

ليس ثمة ما يشير الى نهاية قريبة للأزمة اللبنانية المستفحلة، بل هي على العكس مرشحة للتصعيد في ظل التصريحات النارية التي دأب على إطلاقها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ولا سيما تجاه إيران، التي استدعت رداً، أولاً من طهران نفسها، وثانيا من خلال ما قاله الأمين العام لحزب الله في إطلالته الأخيرة والتي اعتبر فيها أنه لا يجب على الحريري أن يحشر أنفه في ما لايعنيه، في إشارة الى وضع إيران في المنطقة وعلاقاتها مع دول الخليج، وخصوصا على ضوء الحوادث التي شهدتها مملكة البحرين، في إطار المطالب الشعبية للحصول على حقوق طالما حرموا منها، منذ أمد بعيد.

 لم يظهر من كلام السيد الذي جاءت لهجته هادئة، أن في الأفق حلولاً للأزمة القائمة، إن لجهة القضايا الاستراتيجية التي تتعلق بالمقاومة والموقف الداخلي منها، أو لجهة إعادة تكوين السلطة، من خلال تشكيل حكومة جديدة كلف بها الرئيس نجيب ميقاتي، ولو أن السيد قد ختم كلامه بتطورات إيجابية طرأت على عملية التشكيل، تتمثل بالاتفاق على توزيع الحصص، وأن المشاورات قد دخلت في مرحلة الأسماء والحقائب، إلا أن الامين العام لحزب الله أعاد التأكيد على أن جوهر الخلاف هو حول المقاومة، وأنه لا مجال للمساومة عليها، وأنه لن يتمكن أحد من تقديمها على مذبح مكتسبات سلطوية وُعِد من وُعِد بها، ليشكل ذلك مادة خلاف مستمرة وصلت الى حد تشابكها مع الصراع الدائر في المنطقة، الذي رُسمت محاوره بشكل رسمي منذ ما بعد الحرب «الاسرائيلية» على لبنان في 2006، وانتصار حزب الله فيها على «إسرائيل»، الأمر الذي وجه صفعة مدوية للمشروع الأميركي - «الإسرائيلي» بحيث جُنِدت له في ما بعد الأطراف الداخلية، من حكومات الرئيس فؤاد السنيورة الى حكومة الحريري الإبن، والتي لم يكن هناك مجال للسكوت على وجود رئيسها «المعادي» بشكل سافر للمقاومة وجمهورها وتحالفاتها في موقعه، وهو الذي لاقى المطالب «الإسرائيلية» علناً الى حد التبنّي ومن دون تحفظ، إن على مستوى الداخل اللبناني، أو على المستوى الإقليمي الذي عكسته خطاباته الأخيرة ضد إيران.

 ولكن ماذا يريد الحريري من هذا التصعيد المفتعل الذي يرتكز على عنصر الإثارة المذهبية والطائفية؟!.. إذ يتبنى المحور الذي يقف في وجه إيران، ويحاول الضغط عليها وعلى حزب الله من خلال الاقتصاص من المسلمين الشيعة في البحرين وبلدان الخليج كافة. وهو ساعد بمواقفه على تشجيع تلك البلدان على اتخاذ قرارات من شأنها استبعادهم بالدرجة الأولى، وحرمانهم من أعمالهم وقطع أرزاقهم، في حين أن مواقف الحريري تلك، إنما تتضمن الموافقة على مبدأ ممارسة اضطهادهم، وكل ذلك على خلفية «كرهه» للمقاومة اللبنانية ذات البعد الإسلامي الشيعي، بفعل وجود حزب الله على رأسها، كل ذلك من أجل السلطة التي هو جاهز لدفع ثمنها، ولو كان الاقتتال في ما بين المسلمين على امتداد المنطقة، وليس فقط في لبنان، بينما يعمل الطرف الآخر على استيعاب كل ما من شأنه إثارة الغرائز وحقن الدماء، جاعلا من فلسطين قبلة له.

 لا يمكن لأي مشروع سياسي معاد ان يمر إلا من خلال تسعير الفتنة المذهبية والطائفية، بعد سقوط كل الخيارات التي تم استخدامها وصولاً الى شن الحروب. لكن ما يجب الالتفات اليه، هو أن الحريري إنما اتخذ منحى الوقوف ضد المقاومة وشعبها ومحورها، عندما فشل في إدارته للسلطة التي حصل عليها تحت شرط إنهاء مسألة السلاح. وتقويض المقاومة من خلال شن الحرب عليها داخلياً، ولو اقتضى ذلك إسالة الدماء تحت عناوين مذهبية وطائفية. لقد حاول الحريري ركوب هذه الموجة، لتعويم نفسه بعد ذلك الفشل، عبر استخدام لغة التطرف، وتكلم بما لم تتكلم به الدول أو لا تستطيعه، للمحافظة على الحد الأدنى من الروابط، وبالتالي حفظ خط الرجعة إذا ما تهيأت الظروف، لكن الحريري قرر على ما يبدو أن يدفع بكل أرصدته من دون أن يعلم أن أية تسوية قد تحصل لن تعيده الى المركز الذي تخلى عنه برداءة أدائه. في حين أن أكثر الشخصيات التي أثارت الجدل بمواقفها، إبان المرحلة الماضية اي قبل وصول الحريري الى السلطة، امتنعت عن الدخول بما دخل به، وهي بالتالي قد تعود لتصل قبله، باعتبارها تشكل عنوانا لاي تسوية ممكنة في المستقبل ربما القريب، إذا ما أقفلت السبل أمام المساعي المبذولة حاليا، خصوصا لناحية تشكيل حكومة جديدة. وهذا الخيار قد تفرضه التعقيدات الجارية في المنطقة بعد التحركات الشعبية التي شهدتها وازدياد الاحتقان بين بعض الدول العربية وإيران، علماً أن المساعي السعودية - السورية قد تعود الى الواجهة، خصوصا وأنها لم تلغ ولم تتوقف بشكل نهائي، بل هي تُتابع في أكثر من ملف مطروح على مستوى المنطقة ولو توقفت على المسار اللبناني.

 وفي هذا السياق، تقول مصادر دبلوماسية عربية، بأن العلاقات السعودية - السورية ستتواصل مباشرة بعد تشكيل الحكومة السورية، لأنه لا غنى عن مساعيهما المشتركة لوضع حد للتدهور الحاصل في أكثر من قضية سواء في لبنان أو في الخليج أو على مستوى المنطقة برمتها، مشيرة الى أن استئناف المساعي المشتركة بين سورية والسعودية بات حاجة ملحة، وأنه لن تحصل أية إيجابيات تذكر قبل ذلك، خصوصا في ظل غياب كل امكانية لتفاهم سعودي – إيراني، في الوقت الراهن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار