بكركي.. مهمة جمع التناقضات؟!
بكركي.. مهمة جمع التناقضات؟!
http://www.al-binaa.com/newversion/article.php?articleId=30556 البناء 21 نيسان 2011
محمد شمس الدين
كان جميلا اللقاء الذي عقد في بكركي بين الزعماء المسيحيين، لكن سقفه لم يستطع تضميد الجراح المحفورة في جسد المكوِن المسيحي في لبنان منذ ما يقارب الثلاثة عقود. ولو أن مساعي البطريرك بشارة الراعي مشكورة في ما يريد التوجه اليه لبنانيا من خلال ترتيب البيت الداخلي أولا، إلا أنه في الشكل يبدو أن هناك خطأ في مكان ما يوحي بأن «التطييف» في العمل السياسي سيبقى مسيطرا بالرغم من خروج بعض الزعماء المسيحيين من الذين حضروا اللقاء من عباءة الطائفية، من خلال تشديدهم على أن الخلاف القائم بين هؤلاء الزعماء الأقطاب هو خلاف سياسي بامتياز، ليصبح السؤال مشروعا حول دور وامكانية البطريركية المارونية في توفير هذا المناخ تحت سقفها وهي المؤسسة الدينية المعنية بتنظيم شؤون الطائفة.
قد يستطيع البطريرك الراعي أن يرسم سقفا للخلافات بين الزعماء الموارنة، وأن يأخذ تعهدا من الحاضرين بعدم الانجرار الى العنف واستخدام السلاح في ما بينهم، إلا أن غبطته لم يبلور حتى الآن أساسا لأية مصالحة مسيحية تشكل قاعدة للإنطلاق باتجاه حل القضايا المختلف حولها على امتداد مساحة الوطن، خصوصا وأنه يطمح الى أن يتحقق الحوار تحت قبة بكركي، ما لم تستطع تحقيقه طاولة الحوار الوطني في بعبدا، والتي «نُسفت» بسبب عدم توفر الحد الادنى من القواسم المشتركة بين المتحاورين حول القضايا الأساسية، والتي تتعدى بدورها قدرة لبنان الى خارج الحدود لارتباطها بقضايا الصراع الرئيسية في المنطقة. بدت خطوة البطريرك الراعي منذ اللحظة الأولى مربكة وبعيدة عن القراءة الموضوعية للواقع ومجرياته، إذ لا يمكن حل الخلاف السياسي المستفحل على طريقة الروحانيين وتبويس اللحى، في حين أن الخلاف إنما يمس جوهر النظرة الى الوجود المسيحي في الشرق وطريقة المحافظة عليه انطلاقا من المبادئ الإيمانية التي من المفترض أن تجمع ولا تفرق.
في نظرة سريعة الى اللقاء، يبدو المشهد متناقضا الى حد كبير، ليس فقط على المستوى السياسي بين الحاضرين، بل ايضا على مستوى العدالة الإجتماعية التي من المفترض أن تراعى على وجه الخصوص من قبل بكركي، وهو الأمر الذي غاب في الفترة الماضية من تاريخها، إذ انحازت الى جهة مسيحية دون الأخرى، وهي تنحاز اليوم ايضا تحت شعار المحبة والتسامح الذي سيفتح الباب واسعا للتموضع، أمام الظالم على حساب المظلوم وأمام الجلاد على حساب الضحية، في حين أن هذه الأطراف وافقت على مبدأ اللقاء احتراما لصاحب الدعوة وقدومه الميمون الى السدة البطريركية في رسالة مضمونها واضح، وهي ان لا مواقف مسبقة تجاهه ولا نوايا مبيتة ضد بكركي وسيدها، كما هي تعبير صارخ عن الالتزام بالأسس الدينية المسيحية، الأمر الذي سيضع البطريرك الراعي كمؤسسة وكفرد أمام اختبار العدالة هذا على اساس الشعار الذي رفعه لعهده «الشركة والمحبة».
قد يتشارك المجتمعون في بكركي النظرة حول بعض الملفات التي تصب في مصلحة المكوِن المسيحي في لبنان مثل صلاحيات رئيس الجمهورية أو الهجرة ووقف بيع الأراضي ومنع توطين الفلسطينيين، إلا أن هذه الملفات بحد ذاتها تحتاج الى نظرة موحدة للأسباب التي أدت اليها، كما تحتاج الى نظرة موحدة لطريقة معالجتها، وهذا بحد ذاته أدى الى صياغة تحالفات كل من فريقي النزاع المسيحي، حيث ينظر كل من العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية في اتجاه مختلف عن الاتجاه الذي ينظر اليه كل من سمير جعجع وامين الجميل، لتصبح مساحة اللقاء ضيقة جدا، وهذا ما سيفرض على بكركي ـ إن استطاعت أن ترسم رؤية موحدة للدور المسيحي في لبنان وربما في الشرق ـ أن تبقى على مسافة واحدة من جميع الأطراف في لبنان ولا سيما الأطراف المسيحية، او بمعنى آخر فإن دور بكركي سينحصر في إدارة الخلاف السياسي لهذه الأطراف ضمن سقف عدم الاحتراب، اضافة الى صلاحياتها المباشرة في رعاية شؤون الطائفة وأحوالها.
ليست مهمة البطريرك الراعي التي ارتضاها لنفسه سهلة، لا على المستوى المسيحي الخاص ولا على المستوى اللبناني العام، ومنه الى الدور المسيحي في الشرق والمنطقة في ظل التغييرات الجارية فيها، والتي تقف على مفترق طرق خطر جدا ربما لأول مرة في تاريخها الحديث، إلا أن المهم هو معرفة الحدود التي يجب أن تقف عندها هذه المهمة حتى لا تعود بكركي مرة جديدة الى الانزلاق نحو الانحياز، الأمر الذي سيدخلها في نفق «التهميش» الذي دخلت فيه مؤسسات دينية شبيهة، وتسير باتجاهه اخرى.
تعليقات