ميقاتي.. إما «الاعتذار» أو «الحكومة الانتقالية»
ميقاتي.. إما «الاعتذار» أو «الحكومة الانتقالية»
البناء 18 نيسان 2011
محمد شمس الدين
«التريث» في تشكيل الحكومة، الذي أعلنه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان في بعبدا، إنما يؤشر الى أن لا حكومة في المدى المنظور، ويدل على عمق الأزمة التي يعيشها لبنان على هذا المستوى، حيث لم يستطع ميقاتي حتى الآن التوصل الى ما يرضي الأكثرية الجديدة التي كلفته، كما لم يستطع هو من ناحيته فرض رؤيته عليها ضمن حسابات دقيقة «لافتتها» الخروج بـ»حكومة كفوءة»، بعد سقوط شعار الحكومة «الجامعة والوطنية» التي أحبطتها قوى «14 آذار» بإعلانها عدم رغبتها في المشاركة، بناءً على نصيحة أميركية تنسجم مع سيناريو وضعه الأميركيون لمواجهة تداعيات الإقصاء المدوي لسعد الحريري من السلطة. إلا ان الإعلان الأخير عن التريث لفترة اطول في التشكيل يؤكد مرة جديدة أن المعوقات لا تنحصر في الاختلاف على توزيع الحقائب والحصص، بل تتعداه الى تناقض المشاريع السياسية. في حين تبدو سياسة الرئيس المكلف المتبعة في تشكيل الحكومة وقد بدأت تصب في غير مصلحة من كلّفه، كما بدأت معها «وسطيته» تنحاز الى الفريق الذي اعترض في الأساس على تكليفه وعاد ووجه اليه إثره التهديد والوعيد.
السؤال المطروح ينحصر في الصورة التي سينتهي اليها «مسلسل التريث» في تشكيل الحكومة في ظل أجواء ملبدة بشتى أنواع المخاطر السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، تبعا لما تعكسه الأجواء المتوترة في دول المنطقة. فـ»التريث الأول» أو ما وصف بعدم التسرع، كان بهدف التوصل الى حكومة ائتلاف وطني لم ينجح بسبب رفض الأقلية المشاركة. في حين أن «التريث الثاني» كان بسبب الخلاف على هوية الحكومة في ظل استجابة الرئيس المكلف للشروط السياسية التي فرضت عليه بعناوين مذهبية صدرت عن لقاء دار الفتوى بحضوره. لنصل الى «التريث الثالث» الذي كان عنوانه الخلاف على توزيع الحصص والحقائب، لكن أبعاده السياسية لم تكن مخفية من خلال ما طالب به كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف من حصص تشكل في مضمونها ما كان يمكن أن تطالب به الأقلية الجديدة في حال مشاركتها، ليصبح «التعطيل» هو عنوان التشكيل الحالي للحكومة العتيدة.
لم يكن من الوارد تشكيل الحكومة اللبنانية قبل ولادة الحكومة السورية التي أعلنت الخميس الماضي، خصوصا وأن الرئيس ميقاتي يعرف أهمية ذلك وهو كان قد صرح بحسب ما نقلت عنه إحدى الصحف اللبنانية، كما كان قد حاول الاستعانة بسورية مراراً من خلال إيفاد شقيقه طه الى دمشق في جولات مكوكية قبل اندلاع الحوادث هناك، والذي لم يستطع الحصول على المساعدة المطلوبة بالضغط على حلفاء سورية للاستجابة لمتطلبات التشكيل الميقاتية. اما ما تلى اندلاع تلك الحوادث فقد كان يوجب «التريث» أيضا لاتضاح الصورة، وما إذا كان بالامكان «فرض» تشكيلة من نوع معين يتجاوز الأكثرية المكلِفة، ورفع سقف الشروط التي يطالب بها كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف في لعبة توازنات داخلية تنسجم الى حد بعيد مع متطلبات خارجية شعاراتها «الوسطية»، و»عدم كسر التوازن» و»الحكم بالتوافق». غير ان إصرار الأكثرية الجديدة على رؤيتها ذات المضمون السياسي في التشكيل وتوزيع الحصص والحقائب، حال دون نجاح محاولة استباق ولادة الحكومة في سورية، والتي سيكون لها التأثير الأكبر على مجريات تركيبة الحكومة في لبنان، في ما خص الحقائب الأمنية والعسكرية المختلف عليها، انطلاقا من واقع الاتهامات السورية لتيار المستقبل وبعض نوابه في التدخل الأمني في الشؤون السورية، والتآمر لإذكاء الفتن والتحريض على أعمال الشغب ومد المشاغبين بالمال والسلاح.
مسلسل التريث» المتواصل يضع تكليف ميقاتي المصر على الذهاب الى الآخِر في ما كُلِف به على المحك في الفترة القليلة المقبلة، بالرغم من التفاؤل الذي توحي به رؤية الرئيس نبيه بري «لحبات المطر في السماء» نتيجة لصلاة الاستسقاء، في وقت لا تبدو فيه ملامح الخروج من الأزمة إلا من خلال إعادة إحياء صيغة اللاغالب واللا مغلوب، الأمر الذي سيفسح في المجال أمام إعادة المساعي السعودية - السورية بعد استتباب الوضع الداخلي في سورية، والذي سيبدأ بالتبلور بعد إطلاق ورشة عمل الحكومة السورية التي افتتحت أولى جلساتها بكلمة الرئيس بشار الأسد التوجيهية، والتي شكلت بحد ذاتها انقلابا كاملا على «النظم» التي كانت متبعة في العقود السابقة من تاريخ سورية.
يبدو السباق قائما بين «التريث» الميقاتي المؤدي الى الاعتذار، او تشكيله لحكومة عنوانها موقت وانتقالي، تكون مهمتها التحضير لمرحلة جديدة من التوازنات المبنية على ما طرأ من مستجدات في المنطقة، بعد سقوط أنظمة وقيام أخرى، وبعد توتر ينذر بالعاتي من العواصف، التي لن تبقي ولن تذر إذا استمر ذلك التوتر سائدا على أكثر من جبهة داخلية، عربية وإسلامية. في حين يبقى العامل «الإسرائيلي» حياً ومترقبا ومتحفزا للانقضاض إذا ما فشل في آخر محاولاته القائمة حاليا لصناعة الحروب في المنطقة.. بعيدا عن ساحته.
تعليقات