«حرب الإخوان»

«حرب الإخوان»
البناء 8 تموز 2013
محمد شمس الدين

هل بدأت حرب «الإخوان» الشاملة؟ سؤال ربما أصبح من الجائز طرحه خصوصاً بعد السقوط المدوي للرئيس المصري محمد مرسي الذي شكّل أول رئيس لهذه الجماعة منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي وقد باتت خلال تلك المدة الطويلة واسعة الانتشار في العالمين العربي والإسلامي ناهيك عن امتدادها الى أوروبا والأميركيتين ولو بأعداد لا تُقارن.

حركة «الإخوان» التي ترفع شعارات «اصلاحية» ضمن الدين الإسلامي وبالرغم من سعة الانتشار لم تلقَ قبولاً لدى العديد من الشرائح الإسلامية التي تحمل أفكاراً مختلفة عنها خصوصاً في الدول العربية ذات الحكم الملكي أو العائلي أو حتى الأنظمة العربية التي استبعدت الفكر الديني عن أنظمتها وانتهجت نهجاً علمانياً الى حدّ ما في تكوينها وأدائها. في حين بقيت عين الإخوان على السلطة والحكم فانتهجوا من أجل ذلك نهجاً عنيفاً انعكس في أكبر دولتين عربيتين سورية ومصر قتالاً علنياً وسرياً فيما لم تسمح دول عربية أخرى حتى بظهورهم فيها إلا أنهم استطاعوا أن يشكلوا مجموعات سرية داخل حدودها واستمروا بحربهم ضد انظمتها الى حين فتحت حرب «الربيع العربي» أبوابها لهم فأتت بهم مرة جديدة الى الواجهة وتمكنوا من السلطة بعد «جوع قاتل» إليها.

ما حصل في مصر خلال الأسبوع الماضي من انقلاب على حكم الإخوان بعد سنة واحدة فقط من دخولهم بلاط الحكم فيها يؤشر الى فشل التجربة بادئ ذي بدء على المستوى الاجتماعي إذ برز هذا النوع من المشكلات منذ اللحظة الأولى فلم يستطع المجتمع المصري الذي يتشكّل بغالبيته من لون واحد الاندماج بطروحات الإخوان التي سرعان ما انعكست على أدائهم في مؤسسات الدولة كما في القطاع الخاص وصولاً الى الشارع ما يعني أن تلك الجماعة لم تكن مهيئة لاستيعاب فكرة ممارسة الحكم رغم الاستماتة في طلبه في حين أن الغرب وبعض العرب اعتبروا أن هذه الجماعة قد تكون الحلّ لمواجهة الكثير من الأزمات الداخلية في الدول التي تمّت توليتهم عليها من خلال «شدّ العصب» المذهبي والطائفي كذلك الأمر بالنسبة إلى الشؤون الخارجية التي شعر من يخوض المواجهة مع الدول المختلفة معه وخاصة إيران وسورية وحلفائهما في المنطقة أن الرهان على «العصب» قد ينجح في الوقوف أمام ما يُعتبر مداً مذهبياً أو طائفياً أو سياسياً لا يمكن التصدي له إلا من خلال مجتمعات تمتلك روح التشدّد.

تم ترويج فكرة تولي الإخوان للسلطة في هذه المرحلة لدى الأميركيين والغرب عموماً من قبل قطر التي قبضت على ملف تلك الجماعة منذ سنوات ودعمتهم ودخلت على إعادة تشكيلهم بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة التي نعيشها حالياً. كان الهدف القطري في البداية تهيئة تلك الجماعة للوقوف في وجه المملكة العربية السعودية التي ايدت قتل الاخوان في عصر حافظ الأسد وجمال عبد العناصر وتالياً في ايام أنور السادات في حين نجحت المملكة من خلال علاقاتها وتأثيرها أن تشتت شمل الجماعة وتحدّ من تحركاتها في شمال أفرقيا وتحديداً في تونس والجزائر والمغرب في الوقت الذي لم يكن معمر القذافي بحاجة لمن يقول له كيف يتصرف مع من كان يعتبرهم خارجين عن الدين.

تبنت الولايات المتحدة فكرة «حكم الإخوان» على ما تقول وفق ما تسعى اليه من تحقيق لـ»الديمقراطية» الواسعة عبر تولي أي جماعة للسلطة توافق عليها الغالبية في العالم العربي. هكذا قدّمت قطر جماعة الإخوان للأميركيين. على أنهم «مقبولون سياسياً وهم من نسيج المجتمع في البلدان العربية» كما أنهم يصلحون للمواجهة خاصة على مستوى المنطقة ضد إيران من جهة وضد «نظام الأسد» الذي لهم في «ذمته» تاراً قديماً يعود الى سبيعنيات القرن الماضي. أما الشرط الاميركي الوحيد حيال تولي الأفكار المتشدّدة لأنظمة الحكم في العالم العربي وعموم الشرق الأوسط والشمال الأفريقي هو أمن «إسرائيل» وحفظ المصالح وهذان الأمران تكفلهما من جهة «سلطة المال» التي تمتلكها قطر ومن لا يخالفها من اقرانها حيال الشرط الأميركي ومن جهة ثانية حدّة الأزمات التي ستواجهها الأنظمة المستجدة داخلياً ناهيك عن خوض المواجهة سياسياً وربما أمنياً إلى أبعد مدى مع إيران وحلفائها في المنطقة وهو الأمر الاستراتيجي الذي تُجمع عليه «منظومة الخليج الأميركية» أو الذي اصطلح على تسميته الحلف «العربي الغربي» في الحرب التي فرضوها على سورية.

سقوط «حكم الإخوان» في مصر بشكل سريع نتيجة الفشل في الممارسة ولّد «ثورة» لعلها الأولى في «ربيع عربي» حقيقي هذه المرة ربما ستبدأ مفاعيله بالظهور تباعاً في باقي الدول العربية و ليس فقط تلك التي تولى الاخوان الحكم فيها.

بمعنى آخر فإن كرة الثلج التي نشأت في مصر ستتدحرج الى الكثير من الدول العربية حتى تلك التي لا يحكمها الإخوان وهي تتحضّر لمواجهة تداعيات سقوطهم بعد ان شاركوا فيه وهللوا له في مصر والتي المواجهة قد تأخذ شكلاً عنيفاً بعد الحوادث المؤسفة التي حصلت على خلفية السقوط في الايام القليلة الماضية واسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى من دون إغفال الاسلوب الذي اعتمد في القتل وما رافقه من خطاب سياسي يؤشر الى نية تلك الجماعة بوضع كل ما لديها من امكانيات للحفاظ على مكتسبات تحققت وقد لا تعود أبداً وتهدد وجودهم اصلاً إذا ما خسروها.


«معركة الإخوان الكبرى» بدأت مع أنظمة الملوك والأمراء الذين حاربوهم واستغلوا قوتهم وتخلوا عنهم في «أحرج الأوقات».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار