الجيش في مواجهة «التمذهب»


الجيش في مواجهة «التمذهب»
البناء 1 تموز 2013
محمد شمس الدين

تتصاعد حدّة الأزمات السياسية والأمنية في لبنان وتتخذ منحى مذهبياً مسيطراً على ما عداه من الاحتقان الذي يلفّ الشارع اللبناني والمعشعش في كل زوايا الوطن الصغير من أقصاه الى اقصاه. فقد يبدو المشهد الداخلي قاتماً قتامة المشهد الإقليمي الذي لم يعرف سبيلاً بعد للخروج من الحروب المستعرة على المستويات كافة لكنه يأخذ شكله العنيف في سورية التي على ما يبدو فتحت أزمتها الى أمد طويل نتيجة التعقيدات الدولية التي وضعت في طريق أيّ حل ممكن بعد إصرار دول عربية مثل قطر التي تعتبر أن بداية نهايتها تكمن في عدم قدرتها على إسقاط ما تصفه بـ»النظام السوري» وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد الى السعودية التي ترى أن بقاء الرئيس في موقعه لن يمكّنها من إحكام قرارها على امتداد العالم العربي الذي بات يرى أن عليه أن يدخل «العصر الإسرائيلي» بما تبقى لديه من قوة لعلّه يستطيع الاستمرار اكثر.
يجد بعض العرب أن استبدال العدو «الإسرائيلي» بـ»العدو» الإيراني أو المسلم الشيعي أبقى له ولسياساته التي مهما طالت لن تتخطى عمرها الافتراضي الذي شارف على الانتهاء في ظلّ خروج أجيال جديدة من «المحاربين» لها نظرة مختلفة الى مجمل القضايا المطروحة على ساحة الصراع الدولي والإقليمي مع العلم أنه ليس بالضرورة بمكان أن تكون تلك النظرة أفضل في القضايا الاستراتيجية لكنها حكماً ستعطي دفعاً باتجاه حاسم ربما يكون سلبياً إذا ما تمّ الرهان على التشدّد والتطرّف اللذين يغزوان أدق تفاصيل حياتنا اليومية وفي كل مكان لكنهما أكثر وضوحاً في لبنان وسورية.
ما حفلت به الأيام القليلة الماضية من تطوّرات رافقت عملية الجيش ضد جماعة الشيخ أحمد الأسير في صيدا والقضاء على ظاهرته المتطرّفة التي كادت أن تودي بالبلد تشير الى أن التمذهب اصبح حاداً بين الطوائف الإسلامية ما ينذر بأشد العواقب. لكن من الواضح أن القسم الأكبر من قيادات الجانبين يسعى بجد الى تطويق ذيول ما حدث والحؤول دون تطور الموقف وصولاً إلى إعادة تطبيع العلاقات في الكثير من الأماكن خاصة في مدينة صيدا التي كان من المتوقع أن تشكل فتيل التفجير في الصراع المذهبي لولا الحسم السريع الذي نفذه الجيش لوأد الفتنة قبل استعار نارها.
البيان الذي خرجت به قوى «14 آذار» الصيداوية بعد الاجتماع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بحضور قائد الجيش ورئيس الاستخبارات لم يكن سيئاً. لقد حاول الإمساك بالحبل من طرفيه أي عدم استعداء الجيش وهي الحالة التي سادت في الشارع عقب سقوط الأسير ومربعه وبعد سقوط «الترويج» لنظرية أن حزب الله شارك في المعارك ضده والتي بقيت مجرد شائعات لم يستطع أحد أن يثبتها لأن من خرج بشهادات في هذا الشأن كان من «أهله» كما ركز البيان على بعض المطالب المتعقلة بما وصفه «حقوق الإنسان» في صيدا التي كررها الرئيس فؤاد السنيورة ساعة الإدلاء به مرات عديدة من دون أن يضيف عليها شيئاً وهذا يعني أن ما سمعه هؤلاء من الجيش كان حاسماً لجهة عدم التساهل مع أي اعتداء عليه مهما كانت الأسباب ومهما كانت المحاذير.
عملت هيئات حزب المستقبل على خطين: الأول استيعاب ردود الفعل من قبل «الأهالي» في صيدا تحديداً وعلى مستوى «أهل السنّة» عموماً على ما اعتبروه انتهاكات وتعديات عليهم لاسيما من خلال احتجاز بعض الشبان الذين لا علاقة لهم بالحوادث في حين أن الجيش اعتقل العدد الأكبر من هؤلاء احترازياً وعلى سبيل الشبهة للتحقيق وإخلاء سبيل غير المتورطين منهم. وقد مثلت أمام هؤلاء مشاهد السجون التي تعج بـ»الإسلاميين» وقضيتهم التي شكّلت عبئاً ثقيلاً على كاهل أهل طرابلس وكانت نتيجة للأسباب نفسها التي واجهتها صيدا الأسبوع الماضي لكن قائد الجيش كان متفهماً مؤكداً على أن الأمور لن تأخذ السياق نفسه وأن الموقوفين سيفرج عنهم تباعاً بعد ثبوت عدم ضلوعهم في قتل الجيش وإطلاق النار عليه.
الخط الثاني هو التأكيد على عدم المسّ بالمؤسسة العسكرية. وذلك لرفع التهمة عنها بأنها من شجّع الأسير على ارتكاب حماقته الكبرى بالدعوة الى خروج السنّة منه ما يعني الحثّ على قسمته والتمرد عليه وهو ما يعتبر من «الكبائر» في اي تشكيل عسكري فكيف إذا كان هذا التشكيل نظامياً وركيزة أساسية في بناء الدولة؟. ما يعنيه ذلك أن هؤلاء جميعاً يصبحون من المتهمين بـ»الخيانة العظمى» وعليهم مواجهة مصيرهم ضمن هذا المعيار.

قد تكون الضربة التي وجهها الجيش لتلك الجماعة في صيدا قاسية لكنها درأت عن لبنان وأهله لا سيما من السنة شراً مستطيراً خاصة بعدما أفصح الأسير عن مكنونات ما يفكر به هو وجماعته و»الإسلاميون» من أمثالهم بالجيش وما يشكله بالنسبة اليهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار