برسم التحالفات المعقودة!

برسم التحالفات المعقودة!
البناء 4 تموز 2013                                 
محمد شمس الدين

بين تسريب عن دعوة إلى العشاء ولقاء جرى على غداء، حضر السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري الى الرابية. اجتمع مع الجنرال وكان الجو ودوداً. خرج سعادة السفير بعدها ليعلن أن سيادة العماد "مرحب به في المملكة كما جميع المسؤولين اللبنانيين". فيما شدّد الطرفان على أن اللقاء يندرج في إطار التواصل المستمر لا أكثر من ذلك. لكن ما حفلت به الأسابيع الأخيرة التي واكبت التمديد للمجلس النيابي وما بعده من مواقف أوحت بأن الوقت قد حان لخطب ودّ ذلك التيار وقائده لعله جادّ في ما طُرِح واُعلن عن إعادة النظر في تحالفاته.

سارعت المملكة الى استطلاع ذلك، كما أن الموضوع أثار حفيظة سفيرة الولايات المتحدة مورا كونيللي التي زارت الرابية قبل نظيرها السعودي وعشية زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي وليم بيرنز الى بيروت. لكن على ما يبدو أن الجنرال ميشال عون بالرغم من اغتباطه بإثارة حفيظة هؤلاء وإحضارهم الى دارته، لم يعط أحداً منهم مطلبه، إذ خرجوا من الرابية بـ"خفّيْ حنين"، ذلك لأن تصريح السفير عسيري لم يوحِ بأن اللقاء توصل الى تفاهمات سياسية بل وضع الأمور في إطار المجاملات والبروتوكولات المعهودة.

لم يتمحور اللقاء حول تغيّر جذري في موقف الجنرال وتياره باتجاه حزب الله الحليف الذي يخوض مواجهات كبرى على محاور سياسية وعسكرية كما لم ينطوِ على تغيير جذري في الموقف السعودي تجاه لبنان وقضاياه الكبرى والمصيرية، فالمملكة في الوقت الراهن منشغلة كما باقي الدول المؤثرة بالأزمة السورية وما يمكن أن ينتج عنها إضافة الى ما تشكله هذه الأزمة من مأزق ليست السعودية أو تلك الدول ومن بينها الولايات المتحدة بعيدة عنه.

كان الهدف الرئيسي من اللقاء السعودي والأميركي مع العماد عون، فحص مدى جدية ما أعلن عنه من تباينات مع حزب الله الذي يُطلب عزلُه وتطويقه على المستوى اللبناني ابتداءً، لما لذلك من انعكاسات على إعادة رسم خارطة الدولة في لبنان ومؤسساته الدستورية، ومدى تأثير هذا الأمر على مجمل القضايا في المنطقة وفي مقدمتها سورية. إلا أن ذلك فيما لو حصل فإن دونه عقبات كبيرة تتصل أولاً بما هو مرسوم للمسيحيين عموماً على مستوى المنطقة ويدركه الجنرال جيداً، إضافة الى ما يمكن أن يكون عليه موقف حزب الله الذي ربما لديه خططه للتعامل مع مختلف السيناريوهات المطروحة لقضايا الداخل والخارج أيضاً، علماً بأنه يتعاطى مع الداخل انطلاقاً من سياق الأوضاع في الخارج وما ستؤول اليه لمعرفة الإتجاهات التي سيسلكها والحلفاء كافة أو من يبقى معه منهم في معركة اصبحت وجودية بامتياز.

لا يخفي حزب الله اعترافه بأهمية حلفه مع التيار الوطني الحر الذي يمثله الجنرال، كما لا يقلل أبداً من أهمية تحالفاته مع مختلف مكونات الحالة الوطنية التي يشكلها معهم على الصعد كافة، لكن لسان حاله يقول إنه لم يتوان عن تقديم كل ما يلزم من أجل تثبيت هذه التحالفات ودعمها بكل ما يملك في حين أنه لا يستطيع أن يقدم لها ما لا يملكه، أو ينعطف باتجاه لا يأخذ أولوياته لا سيما الإستراتيجية منها في الإعتبار فعلاً لا قولاً وادعاءً.

لا يمكن الجمع بين المتناقضات في السياسة لا سيما أن اللقاءات الداخلية تعكس الى حدّ بعيد تطلعات الخارج وما يدور في كواليسه حيال الأزمات القائمة هنا وفي المحيط القريب والبعيد، لا بل هي جزء اساسي من سياسة هذا الخارج التي تتركز على تحقيق الحد الأقصى من الربح لفرض رؤيته ومنطقه ومتابعة حروبه تجاه من لم يرضخ بعد ومحاصرته.


لا يمكن النظر الى تلك اللقاءات على أنها حفلة علاقات عامة في خضم الحروب والمعارك التي تخوضها دول السفراء ضد مشروع سياسي يقول الجنرال إنه وتياره جزء منه، كما لا يمكن أن يجد مكاناً لصرف عملية الفصل بين معادلة بناء الدولة بعيداً عن تلك القضايا الاستراتيجية التي يقول أيضاً إنه ملتزم بها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار