الأزمة السورية: مرحلة جديدة تقودها أميركا وإسرائيل والسعودية



حرب أمنية ساخنة في لبنان.. وجبهات متعدّدة
البناء 20 تموز 2013
محمد شمس الدين

بدأ الأمر يصبح مقلقاً. الأمن في لبنان يترنح وليس في الأفق معالجات جذرية. فبعد الهجمات في عمق المناطق التي ينتشر فيها حزب الله ثمة مؤشر خطير على دخول الحرب في منعطف جديد ربما يؤدي إلى قلاقل أمنية من الطراز الأول.

يؤشر ذلك ايضاً إلى إصرار التحالف الغربي العربي على إكمال حربه التي يشنها على سورية. ولعله بدأ يستوعب أو يقبل فكرة توسيع دائرتها إلى دول الجوار السوري بعدما انهزم في داخلها. هذا هو الإستنتاج الذي توصل إليه ذلك التحالف بعد سنتين ونيف من المعارك الطاحنة التي خاضها في ذلك البلد وخلفت عشرات آلاف القتلى ودماراً هائلاً يستلزم بحراً من الاموال لإعادة إعماره.

 ما ينطلق منه ذلك التحالف هو أن الحرب التي تخاض حالياً هي حرب وجود. هذا ما فرضه هو بدوره على خصمه في سورية ولبنان وإيران وحلفائهم في المنطقة وربما في العالم. لا تراجع ولا تسويات ولا حتى مجرد استعداد للإنطلاق من اعتراف بسيط بقدرة الخصم وما حققه من إنجازات خلال المواجهة ليتم الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإصلاح الأمور. لا يريد اصحاب التحالف الغربي العربي أن يقروا بخسارتهم في سورية ولو دمرت المنطقة برمتها. هم يتوقعون أو ربما يعرفون أن مجرد بقاء الدولة بقيادتها الحالية سينقلب عليهم في حال سالموها ما سيحمّلهم خسائر أكبر مما يتكلفون في حالة الحرب القائمة والتي بدأت تاخذ شكل الحرب الدولية بالمعنى الفعلي بعد الذي اتفقوا عليه عقب اجتماع ما يسمونه «أصدقاء سورية» في قطر نهاية شهر حزيران الفائت.

 بدأ الهجوم الفعلي على لبنان وقد نشهد تطورات دراماتيكية على المستوى الأمني فعمليات استهداف حزب الله ومواكبه والتي كان آخرها في البقاع وأدى إلى سقوط شهيد في صفوفه إلى تفجير السيارة المفخخة في بئر العبد وسقوط عدد كبير من الجرحى في حين كان الهدف إلحاق أكبر عدد من القتلى في تلك المنطقة التي تعتبر «القلب الحاضن» للحزب ومقاوميه من خلال ما تم اكتشافه عن حجم العبوة التي جهزت بها سيارة الجريمة. ما توصلت اليه تحقيقات حزب الله هو أن العبوة كانت تزن ضعفي ما أعلن عنه أي تتراوح ما بين 70 إلى 100 كيلوغرام من مواد شديدة الإنفجار بغية الحاق الحد الأقصى من الأذى بالبشر والحجر وليس لمجرد توجيه رسائل علماً أن الجهة التي تقف خلف الإنفجار تعلم أن القرارات لا تتغير بزرع عبوة هنا أو عبوة هناك فالحرب بالنسبة للطرفين هي حرب وجود.

 إلامَ تؤشر الضربات في عمق مناطق حزب الله؟. ليس هناك من تفسير سوى أن على الأخير أن يستعد لمواجهة مباشرة في عقر داره الهدف منها إعادته اليها وإشغاله بشكل كامل في حماية هذه الدار وأهلها. يقول التحالف الغربي العربي من خلال ذلك إن الحزب الذي اختار الدخول إلى المعارك في سورية لإبعاد دائرة النار عنه لن يفلح في ذلك وأن عليه الإستدارة والإنسحاب من مواقعه القتالية هناك ليجبر على الانشغال في حماية جسمه وقواعده في لبنان الذي تهيأ لدخول حلبة الصراع وذلك منذ الطلقة الاولى في سورية عندما قرر «حزب المستقبل» أن يوزع «الحليب» والرصاص على الجماعات المسلحة السورية.

 إذاً إنها تداعيات الأزمة السورية التي بدأ شبحها يطل في كل مكان من دول الجوار التي تشارك فعلياً بالحرب عبر القواعد العسكرية والإستخبارية على المستوى الميداني كالذي يجري في لبنان كجبهة غربية أو في تركيا كجبهة شمالية أو في الأردن كجبهة جنوبية وصولاً إلى دوائر صنع القرار في العالم العربي في السعودية بعد اضطلاعها من جديد بالملف السوري وتوابعه إلى قطر المنكفئة عن هذا الملف بعد فشل كاد أن يطيح سريعاً بمنظومة تحالفات إقليمية ودولية كان عصبها المال الذي بذلته تلك الدولة لتفعيل دورها وفرض سياستها.

 لكن عقباتٍ ظهرت في وجه التحالف الغربي العربي على مستوى المنطقة. لم تنجح التجارب الجديدة للحكم في دول ما اعتبروه «ربيعاً عربياً». سقط الإخوان في مصر وتداعت أسس الدولة في ليبيا كذلك لم يستقر النقاش الدائر في تونس على راي حول شكل الحكم والدولة وارتباطه بما اصطلح على تسميته بالإسلام السياسي. وجد الاميركيون أنفسهم أمام جملة مشاكل معقدة فهم دفعوا بجماعة الإخوان على أساس أنها مطلب الشعوب في تلك الدول أليست تلك هي الديمقراطية؟.. ثم تكشف لهم أن الصراع الدائر في سورية انحرف عن مساره المرتجى.
 استطاع الرئيس السوري أن يصمد مع دولته في مواجهة أشرس هجمة في العقود العشرة الأخيرة في حين أن من دفعوا بهم إلى القتال أظهروا أنهم لايصلحون حتى لتولي شؤون انفسهم.. مجرمون لا يمتون إلى المدنية بصلة. هنا تكمن الأزمة الأميركية. تم تحييد قطر عن الملفات عبر إقالة أميرها وجهاز الحكم والإدارة فيها وأعيد الملف إلى السعودية والحليف الأقوى فيها رئيس الإستخبارات بندر بن سلطان وبدأ العمل.

 كان القرار عند التحالف الغربي العربي أن عليه الهجوم في مواجهة التداعيات الناجمة عن صمود الأسد وتوحيد جبهته مع حزب الله وإيران وما وفره الغطاء الروسي دولياً فوضع «جنيف 2» جانباً من خلال إعلاء سقف الشروط لعقده وإفشال المسعى الروسي حياله وهذا بحد ذاته كشف نية هؤلاء الاستمرار بالحرب.
 اتخذ ذلك التحالف مقررات سرية في جلسة أمنية - عسكرية شاركت فيها قيادات متخصصة أميركية وإسرائيلية وبريطانية وتركية وسعودية وأردنية بصفة أساسية وقطرية بصفة مراقب بعد انعقاد مؤتمر ما يسمى بأصدقاء سورية في قطر في 29 حزيران 2013 وتفاهموا على ما يلي:

 في العموميات تقرر أن: 

1 - تبقى إدراة المعلومات والرقابة والإتصالات ومهمات بنك الأهداف في هرتزيليا إسرائيل.
 2 - تناط بقوة إسرائيلية بريطانية مشتركة عملية الإتصالات اللاسلكية على أشكالها من القاعدة البريطانية في دخليا Dekhlia في قبرص بحيث يتم إرسال المعلومات مباشرة إلى هرتزيليا.
 3 - يرسل الجيش الحر مندوباً للتنسيق إلى هرتزيليا.
4 - مهمة اللوجستية المحلية داخل مناطق العمليات منوطة ببريطانيا.
5 - مهمات التدريب منوطة بكل من بلد منشأ التجهيزات الجديدة المبرمجة للإرسال إلى الميدان.
 6 - إدخال أنظمة رؤية وتنصت وتصوير وتموقع Geopositionning إلى الساحة واختراق اتصالات ومواصلات الجيش السوري وقوات حزب الله حال وصول التجهيزات من نوع 4GM2M وتبقى إدارة عمليات كشف الإتصالات بايدي القوات الأميركية في الأردن دون سواها من قوات التحالف.

 الجبهة الجنوبية الأردنية - الإسرائيلية 

1 - توحيد الجبهة بقيادة وحدة التنسيق البريطانية المرابطة في الأردن وإنشاء الأداة التنظيمية لتحقيق ذلك.
 2 - يتعاوان الجيشان الإسرائيلي والأردني على توحيد الجبهة ما يستدعي نقل المسلحين من جبهة الجولان إلى الجبهة الأردنية أو العكس عن طريق الداخل الأردني - الفلسطيني وذلك بوساطة الأجهزة العسكرية الرسمية.
 3 - توفير التغطية الصحية بشكل منسق في كل من الأردن وإسرائيل.
3 - التعاون بين «المركز الأميركي» الذي يتسلّم المعلومات من أنظمة 4GM2M وهرتزيليا للتحقق من دقة الأهداف.
 4 - إن مهة إسقاط المعدات التكنولوجية4GM2M في الميدان محصورة بالقوة البريطانية ولا دخل للطرف الإسرائيلي فيها.

 الجبهة الشمالية.. تركيا 

1 - يتحول العمل على الجبهة الشمالية إلى عمل رسمي وتقوم القوات التركية بتوفير الخدمات اللوجستية بشكل مباشر.
 2 - استنفار كل من وما يمكن من اللاجئين وتدريبهم علماً أن هدف العمليات هو زيادة نسبة القتلى في الجيش السوري وحزب الله.
 3 - توفير التغطية الصحية بشكل رسمي.
4 - المخازن الثلاثة لمعدات شبكة التصوير والتسديد والتنصت 4GM2M تبقى في عهدة القوات الأميركية ولا يدخلها أحد من الحلفاء وتناط عمليات التوزيع للمعارضة بالقوات البريطانية.
 5 - تعزيز مركز الإتصالات في محافظة سرناك تركيا وإناطة إدارة التواصل بالطرف البريطاني.

 الجبهة الغربية.. لبنان 

1 - الحفاظ على قوة سورية مستترة في لبنان لا يقل عددها عن 3000 مقاتل.
2 - توسيع نشاط التنصت لتغطية جميع اتصالات حزب الله بعد ثبات عينات التنصت كلها.
3 - انشاء مركز متخصص ليصبح عقدة تحويل مركزية لشبكة الإرسال والتواصل 4GM2M.
3 - إنشاء خط تموين إلى خاصرة الجيش السوري عبر الشمال لتحريكه عند الحاجة السياسية أو العسكرية .
 4 - الإستمرار في استدراج الحزب لمعارك جانبية والإستمرار في استنزاف سمعته في البلد.
 5 - يبقى تحريك العملية النهائية مع حزب الله منوطاً بقرار القيادة العامة وعلى الجميع الإنضباط المطلق بهذه التعليمات.

 ما تكشف عنه تلك المعلومات هو أن عنوان المرحلة المقبلة والتي بدأ تنفيذها فعلياً هو أميركي إسرائيلي سعودي بعد فشل كل سيناريوهات المرحلة الماضية التي أُقفلت بتغيير قطري على أعلى المستويات بقرار أميركي لم يعد خافياً على أحد وانتقال إدارة الملف السوري إلى المملكة الخليجية بشخص رئيس الإستخبارات فيها مع الإيعاز إلى الملك عبدالله بن عبد العزيز وولي عهده سلمان بضرورة إطلاق يد الأمير بندر ومخيلته و«قسوته» في التعامل مع متطلبات استمرار خوض الحرب التي لا يمكن التسليم بما أفرزته من نتائج لصالح الرئيس الأسد في سورية. وهذا ما عبر عنه رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارتين ديمبسي في اليومين الماضيين من خلال إعلانه أن الأزمة السورية قد تستمر لـ 10 سنوات أخرى وأنه زوّد البيت الأبيض والرئيس باراك أوباما بخيارات حول استخدام القوة في سوريا وذلك في إجابته على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ في الكونغرس والذي أكد على أن «المسألة هي قيد المداولة داخل وكالات حكومتنا.. وأن قرار التدخل العسكري يتخذه المسؤولون الأميركيون المنتخبون» بحسب تعبيره.

 اندفع الأميركيون وانكفأ الأوروبيون وتوالت تصريحاتهم لا سيما الدول التي تحمست كثيراً حول عدم قناعتهم بتزويد الجماعات المسلحة السورية بالأسلحة من دون إعلان الأسباب. لكن لا أحد يحتاج إلى إيضاحات بعدما استمر الجدل حول هذا الموضوع منذ اندلاع الأزمة التي ما إن انتصرت على مرحلة حتى دخلت في أخرى بانتظار مؤتمر «جنيف 2» الذي لم يحن موعد «هلاله» بعد وربما لن يكون حتى الإنتهاء من المرحلة الجديدة وتقويم نتائجها.. إذا بقي شيء يمكن التفاوض بشأنه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار