الثقة بـ"النفس" وليس بالرئيس


الثقة بـ"النفس" وليس بالرئيس
البناء 23 نيسان 2012
محمد شمس الدين
انجلى غبار المناقشات النيابية للحكومة الأسبوع الماضي عن حقيقة واحدة، وهي ان الأكثرية النيابية ولو بـ"النصف ناقصاَ واحد"، متمسكة بالحكومة بالرغم من كل الملاحظات، أو حتى الإعتراضات عليها. ما يعني أن تلك الأكثرية قد عمدت الى منح الثقة لنفسها وليس لرئيس الحكومة بعدما قررت في اللحظة الأخيرة استدعاء اقطاب نيابية للإنقاذ، ذلك أن مرحلته لم تنته بعد على ما يبدو، بينما تشهد المنطقة تغيرات حاسمة وحساسة انطلقت في غير بلد عربي بالتزامن مع الفترة التي تسلمت فيها الحكومة اللبنانية مسؤولياتها في حزيران 2011.
وفي حين أن حكومة سعد الحريري التي سبقت، واكبت انطلاقة تلك التحركات الشعبية عند استقالتها في كانون الثاني من العام نفسه، إلا أن حكومة ميقاتي تريثت كثيراً بما يقارب 5 أشهر حتى ولدت بعدما حاول رئيسها المكلف آنذاك استشراف أبعاد مستجدات الأوضاع في سورية تحديداً ليبني على الشيئ مقتضاه، لكنه لم يفلح في الرهان على وضوح الصورة التي وعده بها العالم فيؤجل تشكيل الحكومة حتى يراها، وهي الصورة التي تعبر عن مشهد سقوط "النظام" في سورية ليبدأ مشواره الجديد بحماسة كاملة.
عاد ميقاتي وشكل حكومته وسط الكثير من اللغط السياسي خوفاً على الفرصة من فشل كان يبدو محتماً، فيما قراءته تقول إنها إذا ما تحققت الآن فإنها لن تتكرر وهو على هذه الحال لم يغب عن باله أبداً ما يزعج الفريق السياسي الآخر الذي أصبح معارضاً بعد حول، إلا أن قراره بالعودة لإرضائه بشتى الوسائل والطرق كان من ضمن خططه، أولاً لإثبات انتمائه وثانياً لتحقيق المصلحة ناهيك عن الأهداف السياسية التي تنطلق من قناعات ما زال التعبير عنها يتوالى.
يحرص رئيس الحكومة على إظهار الوجه "الدولتي" لشخصه وذلك من خلال العديد من المواقف التي تنسجم مع متطلبات استمراره في رئاستها على أبواب الإنتخابات التشريعية التي دخلت نطاق المنافسة أو "الحرب" باكراً، وهو يحاول تركيب أذن الجرّة كيفما يراها مناسبة خدمة لهذا الهدف بدءً من النأي بالنفس حيال الأزمة السورية وليس انتهاءً بالموقف من زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الى جزيرة أبو موسى الخليجية المتنازع عليها مع الإمارات العربية المتحدة، لكن ما يجب قراءته بالنسبة لرئيس الحكومة أو غيره من أصحاب فكرة الوسطية أو النأي بالنفس حرصاً على حياد لبنان كما يصفونه أن هذه المساحة تضيق فعلياً وأن حسم الخيارات بات أمراُ قاب قوسين أو أدنى ولو أن الأزمة السورية لم تنته بعد بكامل المعاني أو ربما تطول مدة إنهائها نظراً للتعقيدات التي تحيط بها ومنشؤها القرارات الخارجية التي تصر على التدخل في الشأن السوري الداخلي وتغيير المعادلات القائمة منذ أكثر من أربعة عقود، وهي إذ حافظت على مسارها فذلك يعود الى طبيعة الأزمات التي واجهتها المنطقة وتركيبتها السياسية كما تركيبة مكوناتها الإثنية والطائفية.
وليس بعيداً عن هذه الطبيعة ما هو معروف بالقضية المركزية للعرب والمسلمين وهي القضية الفلسطينية التي ستتأثر بشكل مبشار وربما أكثر من غيرها من القضايا بفعل الآداء الخاطئ لبعض العرب السائرين ضمن مشروع معاد للمنطقة وأهلها لا نفع فيه إلا لإسرائيل.
يبدو هذا الكلام مكرراً لكنه يعبر عن لب المشكلة بعنوانها العريض وبعيداً عن التفاصيل المذهلة التي تتعلق مباشرة بإعادة تكوين المنطقة على اسس اتنية ومذهبية، وهو الأمر الذي رفعت "ورقة التوت" عنه وأصبح مشاعاً في الحديث ومبرراً في الفعل ورد الفعل حيث يكمن الخطر الأكبر.
مساحة رئيس الحكومة الوسطية تضيق أو يضيقها على نفسه بعدما نسفها أكثر من مرة في غير موقع وفي أكثر من ملف، في حين أن الثقة التي جددت شباب حكومته كما وصفتها بعض وسائل الإعلام لم تكن سوى وليدة ما تريده الأكثرية من استمرار للأمر الواقع الى حين بعض الإستحقاقات التي منها قانون الإنتخاب، وواقع إجرائها غير المؤكد حتى اللحظة والتي على ما يبدو أيضاً انها تهم رئيس الحكومة ليس من باب "وسطيته" و"نأيه" بنفسه عنها، بل من باب تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر ليحصل على "الجمل بما حمل" وهو المدرك أن منافسه الأقدر سعد الحريري بات "مكسوراً" على أكثر من مستوى.
استطاع ميقاتي الذي يسعى لكسب "الرضى" أن يلفت أنظار رؤساء وأمراء وملوك شعروا بالضيق لخسارة الحريري موقعه في رئاسة الحكومة على يد رئيسها الحالي الذي صحح رأي هؤلاء فيه في أقل من سنة، لكن أداء ميقاتي منذ ذلك الحين ما زال مبنياً على متغيرات قالوا له انها ستحصل في سورية.. لكننا سننتظر معه لنرى ما إذا كانت رهاناته ستربح أم أن ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد ونقلته عنه بعض وسائل الإعلام من أن المرحلة المقبلة ستشهد تغييرات جذرية.. وأنه "سيسعى الى تغيير الواقع في سورية وفي لبنان أيضاً" والذي لا يمكن فصل مسألته عما يجري في بلاده.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار