مهمة أنان في "الميزان"


مهمة أنان في "الميزان"
البناء 12 نيسان 2012
محمد شمس الدين

التطورات التي شهدتها سورية في الأيام القليلة الماضية تؤشر الى ارتفاع وتيرة الضغوطات التي تمارسها القوى الغربية مع حلول موعد البدء بتطبيق خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية المشترك كوفي أنان اليها، في حين أن الأخير ما زال راكباُ "حصانه" جائلا على عواصم أساسية مفتشاً عن دعم لخطته المدعومة أصلاً، إلا أن حراكه ينطلق من فشل الحصول على موافقة الفريق السياسي للجماعات السورية المسلحة التي ما زالت تأمل بإيجاد تسوية تبقيها على قيد الحياة وعلى مسرح "العملية السياسية" التي من المفترض أن تنطلق في سورية بعد وقف إطلاق النار مباشرة.
ما زالت تلك الجماعات المسلحة تطلق الرصاص بدعم عربي ودولي لم يفلح أنان أو غيره بإخماده، في حين أن مطلب الحكومة السورية واضح لجهة أن تطبيق خطة المبعوث الدولي يجب أن تنطلق من اسكات اسلحة هؤلاء أولاً، وإعلان وقف دعمهم عبر بيان واضح أيضاً يعبر عن اطلاق حوار سياسي بعيداً عن الشارع. لكن ذلك لم يحصل بانتظار تحقيق أي من الفرص الزمنية التي تمنح لتلك الجماعات تارةً بطلب منها، وطوراً بحثٍ من فريقها السياسي، كما أن كلام "المعارضة" في الخارج يعبر عن احباط وانسداد في افق الإقتراحات الموصلة الى نقطة وسط تحفظ وجود "المعارضين" وتقيهم الإنهيار الكامل، وهم يعلمون أن سبب ذلك هو العجز الدولي للفريق السياسي الذي دفعهم الى هذا المستوى في المأزق.

لم يسمع أنان في العواصم الحليفة أو الصديقة لسورية ما يعيق تنفيذ خطته، وهو يعلم أن العقبات الموجودة في طريقها ليست لا في موسكو ولا في طهران ولا حتى في أنقرة العاجزة حتى عن اتخاذ موقف مما يحاول اللاجئون السوريون الى مناطقها الحدودية توريطها فيه، تلك هي المحطات الأخيرة التي زارها أنان، لكن الجولات مردها الى عدم قدرته على اقناع الدول الداعمة للجماعات المسلحة في سورية من إصدار أوامرها اليها بوقف العنف والقاء السلاح والدخول في حوار لا مكان للكثيرين ممن حملوا السلاح فيه، وهو ما سيشكل عائقاُ حقيقياً أمام نجاح مهمة المبعوث الدولي – العربي المشترك الذي بات عليه أن يتخذ بنفسه موقفاً يجبر من يعيق خطته على التعاطي بإيجابية معها وتقديم التسهيلات لإنجاحها وإلا فإنه سيكون "كبش المحرقة" في هذه العملية.
في إطار تقييم المصلحة، فإن سورية هي المستفيد الأول من انجاح مهمة أنان، حيث ستضمن عودة الإستقرار الأمني الى ربوعها ولو بالحد الأدنى لتنصرف الى معالجة ملفاتها لا سيما على صعيد الإصلاحات الموعودة والتي تعيقها التطورات الحاصلة على الأرض، أو على الأقل تحجب رؤية الجزء الذي تم تنفيذه منها، بينما تنتفي مصلحة الجماعات المسلحة التي سقطت في حمص وإدلب وقبلها درعا ومناطق ريف دمشق وهي تلجأ الآن الى تعميم الفوضى أينما استطاعت الى ذلك سبيلا، وذلك بالتزامن مع انعقاد الأمل العربي – الدولي عليها في محاولة إحداث ثغرة ما تحسن من شروط معارضة الدول الخارجية والدخول بها من خلال خطة أنان.
يقول مقربون من دمشق إن سورية باتت جاهزة كلياً للتعامل مع الموقف في ظل تطبيق المبعوث الدولي لخطته إذا ما استطاع أن "يمون" على الخارجين على القانون في البلاد، وأن يطوع مواقف الدول التي تضع في طريقه العقبات وفي مقدمتها قطر والسعودية، وفرنسا في أوروبا، في حين أن موقف الولايات المتحدة يبدو أكثر مرونة من تلك الدول لأنها باتت مدركة لصعوبة تسجيل اختراق في جدار الأزمة، وهي تعلم أن إطالة عمرها قد لا يتناسب مع متطلبات الإستحقاقات التي ستواجهها في داخل الولايات المتحدة، كما أن مصالحها في المنطقة ستتعرض للخطر في حال أصر بعض أهلها على المغامرة الى حد المقامرة بالأوضاع المتفجرة فيها.
يبدو أن مهمة أنان اكتسبت زخماً وبعداً سياسياً حقيقياً من خلال زياراته في وقت سابق الى موسكو التي حط فيها وليد الملعم وزير الخارجية السوري، وخاصة بعد إعلانها أمس موافقتها على الإنضمام الى بعثة مراقبين دولية في سورية، أصبحت مهمة أنان في "ميزان" الضغط والضغط المضاد ما قد ينذر بتفجيرها إذا لم يتم تحديد معوقات تنفيذها، وذلك خارج إطار التجاذبات السياسية، بعد فشل المبعوث الدولي بجعلها "انسانية" وانكشاف نوايا من طلب منه أن يتحمل هذه المسؤولية ليمرر من خلاله خططه السياسية والعسكرية والأمنية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار