جنبلاط.. عند تغيير الدول إحفظ راسك!


جنبلاط.. عند تغيير الدول إحفظ رأسك!

البناء 25 تموز 2011

محمد شمس الدين
لا يزال الوضع في سورية يشكل مصدر قلق للكثيرين من الذين ينظرون الى الأمور من زاوية المصلحة الخاصة، أو إذا صح التعبير "حفظ الرأس" على ما يقول المثل الشائع.. "عند تغيير الدول احفظ رأسك".
قد لا يمكن الجزم أن ما يفعله رئيس جبهة النضال الوطني، رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط  يندرج ضمن هذا المفهوم، لكن الحركة التي يقوم بها باتجاه العديد من العواصم إن المحدودة التأثير اوالمطلقة التأثير، لم يصفها سياسي مخضرم صديق لوليد بك إلا بزيارات الخوف على المصير الذي بات بالنسبة اليه مجهولا بالكامل بالرغم من القدرة التي يمتلكها الزعيم الدرزي على المناورة، وهو الأمر الذي توفرها له المساحة السياسية والمذهبية للدورز أينما حلوا في المنطقة لا سيما في لبنان وسورية وفلسطين المحتلة.
يقول السياسي المخضرم إن حركة زيارة وليد جنبلاط الى روسيا ناتجة عن القلق الذي شعر به حيال تطورات الأوضاع في سورية، فهو لمس بما لا يدع مجالا للشك أن الإصرار الدولي على إكمال ما بدأه المجتمع الدولي صاحب مشروع تغيير المنطقة في سورية، يؤشر الى مرحلة قد لا تخلو من تصعيد غير معروف النتائج، في الوقت الذي لم يشعر فيه الزعيم الدرزي على ما يبدو أان القيادة السورية قادرة على حسم الموقف في الداخل، لكنه غير مدرك أن "عدم الحسم" هو خيار ثابت لدى الرئيس السوري بشار الأسد بعدم كسر الجرة مع الشعب والناس في سورية، وهو كان هدد كل مساعديه بأنه قد يفاجئهم بقرارات لا ترضيهم في حال تجاوزوا الأوامر بعدم إطلاق النار على الناس وممارسة القمع والعنف ضدهم.
لم يرق لوليد جنبلاط "عدم الحسم" القائم على هذا الخيار، بل جعله يشكك بقدرة القيادة السورية - وهي ذائعة الصيط تاريخيا بعنفها- على حسم الأمور بما يطمئنه وغيره من الحلفاء والأصدقاء بما فيهم الروس الذين تميزوا بموقفهم ايضا على خلفية حفظ الحد الأقصى من مصالحهم في المنطقة قبل أن تذوب بالمشروع الأميركي – الاسرائيلي، وهو ما لم ولن ينسجم مع عظمة الدولة التي وقفت في الجهة المقابلة للولايات المتحدة الأميركية على مدى التاريخ الحديث وإن تغيرت تكتيكات موسكو بعد انهيار النظام الشيوعي فيها.
يضيف السياسي المخضرم ان عدم ثقة جنبلاط بقدرة سورية على تجاوز المرحلة الراهنة جعله يكلف نفسه مهمة "مساعدتها" على إعادة التموضع بالأطر التي يراها هو مناسبة، وتنسجم مع خياره الأخير الذي لن يعود عنه، مجبرا وليس مختارا، في حين أن احدا لم يكلفه وتحديدا الجانب السوري بإجراء الاتصالات الدولية لتهيئة موقف مساعد له في حركته السياسية الخارجية أو إقناع بعض الدول في تليين موقفها تجاه سورية، أو حتى التدخل لدى الولايات المتحدة للتخفيف من الضغط الذي تمارسه على القيادة السورية من خلال ما يعرف بالمعارضة السورية البريئة نسبيا من تلك التدخلات، حيث أن التحريك الأميركي إنما يتم عن طريق الجماعات التخريبية المسلحة التي تقتل الناس والقوى الأمنية والجيش السوري يمينا ويسارا، لكن ذلك قد يتسبب بالأذى بالرغم من التقدير للجهود التي يقوم بها جنبلاط على هذا الصعيد، فالأمر يحتاج الى تماسك بالمواقف بخاصة أن سورية تتصرف بثقة كاملة إن على صعيد مواجهة الحكومة للشغب الحاصل على الأرض، أو على صعيد إدارة الدولة وتنفيذ الإصلاحات التي وعد الرئيس الأسد بها.
لا يبدو أن المجتمع الدولي يريد فعلا الإصلاح في سورية، وإلا كان استمع الى صوت الحكومة السورية والرئيس السوري بما يسعون اليه من إصلاحات قد تجعل من سورية الدولة الأكثر تقدما بين الدول العربية في حال مُكّنت من إكمال مشروعها الذي يصر السوريون عليه وهم ماضون بتنفيذه، إلا ان ذلك لا يمكن أن يحصل بالإستجداء القائم على الخوف كما توحي بعض زيارات المسؤولين الى بعض العواصم ومنهم الزعيم جنبلاط.
يستطرد السياسي المخضرم ليقول إن ما على جنبلاط القيام به هو الإيمان الفعلي بما اختاره، وأن يكون جاهزا في كل الأوقات لخوض المعركة كما خاضها في اواخر الثمانينات عندما طوع الجبل وكل المناطق التي كانت تحت سيطرته لخدمة المشروع السياسي الوطني والقومي الذي طالما آمن به، فالأمور لم تتغير بالرغم من كل ما حصل والصورة قد تعيد تظهير نفسها في ظل استمرار نفس المشروع المقابل والذي على ما يبدو قد اصبح أكثر شراسة من ذي قبل.
لا يمكن لأي مشروع قائم على الخوف أن ينتصر، في ظل مساحات غير موجودة بالمطلق لأية تسوية على الأقل في المدى المنظور، لا سيما وأن الرهانات ما زالت قائمة على سقوط نظام من هنا أو قيام نظام من هناك، فالزمن زمن حسم يرهن له مستقبل الأجيال المقبلة لخمسين عاما على اقل تقدير، في وقت دخل فيه الصراع الى المستوى الوجودي متجاوزا المستوى الإستراتيجي "الوسطي" مع عدو صهيوني مقتدر بالعدة والعدد والأهداف، ومسخر لخدمته كل المجتمع الدولي.

  

      

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار