هكذا تكلم.. الحريري!


هكذا تكلم.. الحريري!


محمد شمس الدين
الإطلالة الأولى لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري بعد غياب طويل عن الساحة ومشاكلها، حملت في طياتها مضامين لا تخلو من الخطورة بالرغم مما يوحي به الرجل من سذاجة، ربما تكون هي مصدر الخطر الحقيقي الذي يتربص بهذا البلد.
 لا يمكن إلا أن يتوقف المرء عند الطريقة التي ينظر بها الشيخ سعد الى الأمور. لقد كانت الكيدية الشخصية عنوان كل مفاصل الحديث الذي اجراه، وهذا ما يطبع الخطاب السياسي الذي يقدمه ليثبت انه مستعد لفعل اي شيء للنيل ممن يعتبرهم اخصامه.. وهم على الأرجح كذلك.
 ما خرج به الرئيس السابق للحكومة يدلل على أن المعارضة بقيادته مصرة على خوض الحروب من اجل تنفيذ برنامجها ولو اضطرها ذلك الى التحالف مع الشيطان، علما أن أهداف المعارضة حسبما قال الحريري، إنما تُعبّر عن اهداف الشيطان بعينه لجهة الإعلان عن السعي الحثيث لإسقاط الحكومة باعتبارها حكومة حزب الله، وهو منطق "المجتمع الدولي" الذي شكل حجر الرحى في حديث الحريري الذي شدد ايضا، على ان الهدف الأبرز لمعارضته هو تنفيذ قرارات المحكمة الدولية من دون نقاش، لأنها بالفعل تخدم الهدف السياسي للحريري المبني على إرادة التشفي من حزب الله، عبر إدانته، فيأخذ هو نصيبه، فيما يحصل "المجتمع الدولي" على فرصة إنهاء هذا الحزب وصولا الى تحقيق هدف "إسرائيل" بنزع سلاحه لتنتهي المشكلة.
 لقد أفرغ الحريري كل ما في قلبه دفعة واحدة ورسم خطوطا عريضة لسياسة لا تبقي ولا تذر، في حين أنها قد تتحول خطرا محدقا اذا استطاع التأثير في الناس الذين ما زالوا يناصرونه، والذين بالطبع باتوا أكثر نضجا من ذي قبل، بخاصة بعد التجارب التي خاضوها معه في السنوات الخمس الأخيرة، إن على مستوى التجربة الحزبية من خلال تيار المستقبل أو على مستوى إدارته للحكومة.
 استشعار الخطر من كلام الحريري لا يعود منشأوه الى قواه الذاتية غير الموجودة اصلا، وإنما الى جهوزيته لأن يكون رأس حربة في مشروع الآخرين في بلدنا، اذا بات يمثل بما طرحه بالأمس من "معادلات" كيدية وفتنوية معبرا مفتوحا لما يراد تنفيذه، غير أن الرهانات التي جرت عليه في السابق قد تحسب ألف حساب قبل إعادة اعتماده هذه المرة لخدمة مشاريعها، لكنه يقدم نفسه لها علها تعيده أولا الى السلطة، وثانيا ربما تشكل مخرجا حقيقيا لما يواجهه من أزمات مالية تسببت بها سياساته العشوائية في إدارة الأعمال وفي التوظيف السياسي.
 "لو كنت في الحكومة لكان من الطبيعي أن افتش عن المطلوبين من قبل المحكمة الدولية وأسوقهم اليها"، هذا ما قاله الشيخ سعد، وهو بذلك ينفخ نار الفتنة الداخلية والخارجية، لكنه لا يعلم أن جزءا كبيراً ممن يراهن عليهم لا يؤيدونه في هذا الموقف، وهم يعلمون، فضلا عن قناعاتهم بعدم جواز إطاعة المحكمة إطاعة عمياء، أن ذلك لا قدرة للبنان ولا للمنطقة على تحمل تبعاته، ذلك أن مجرد الموافقة على هذا الاتهام من قبل الجهة المتهمة إنما يدخل المنطقة في فتنة واسعة النطاق قد لا تبقي مطرحاً للحريري نفسه، لكن المشكلة تكمن في عدم قدرته على فهم أو تصور هذا الأمر الخطير.
 لا يمكن المراهنة على ما يريده "المجتمع الدولي" أو ما يرغب في تنفيذه، خصوصا إذا كان يخدم مصلحة العدو الرئيسي في المنطقة وهو "إسرائيل"، إلا أن مصالح الحريري السياسية والشخصية تلتقي بشكل أو بآخر ـ بل تتطابق ـ مع ما يريده هذا العدو، وهو يعلم ذلك بشكل قطعي، لكنه مصمم على هدفه مهما كانت النتائج.
 الأمر الآخر الذي لا بد من الإشارة اليه هو ما تضمنه كلام الحريري من مِنّة على اللبنانيين بما كان والده قد قدمه إن على مستوى الإعمار أو على مستوى التعليم. إلا ان كلام المنّة هذا يجب ألا يبقى سائدا، فلسان حال الحريري يقول "إننا من عمّر ومن علّم"، وعليه.. فإننا يجب أن نحصل على مقابل"، وذلك من خلال الحكم، وهو ما يؤكده كلام عمته النائب بهية الحريري في كلمتها امام مجلس النواب حيث أشارت الى المضمون نفسه. لكن يبدو أن العائلة بكاملها غير مدركة بأن صيغ المَلكية أو المُلكية لا يمكن تطبيقها في لبنان لا من الناحية الدستورية ولا من ناحية التركيبة الإجتماعية والطائفية.
 ولتسمية الأمور بأسمائها يجب القول: إن من علّم ومن عمّر، هي الأموال التي دفعتها الدول التي كانت معنية بالأزمة في لبنان في تلك الحقبة، والتي كان عليها واجب إنهائها فكان الحريري خير من صرفها في اتجاهها الصحيح. لكن يجب ايضا عدم إغفال ما آل الى آل الحريري من استملاك الوسط التجاري لبيروت، الأمر الذي يجب أيضا إعادة النظر فيه لإعادة الحقوق الى أصحابها اللبنانيين وهم كثر.
 أخيراً، فإن ما يلفت النظر في كلام الحريري هو عدم نفيه لمسودة التسوية على المحكمة الدولية، وهذا يؤكد السياق الذي كان سائدا من خلال المسعى السعودي – السوري، الذي فتح الطريق للحريري الى دمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد. يشار في هذا الصدد الى أن طموح الحريري بدا بالأمس كبيرا جدا الى حد وضع نفسه بموازاة من يقرر مصير المنطقة.. وهو الموقع الذي خسره بإرادته بعدما قُدِم اليه على طبق من ذهب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار