النفط بين الدولة والمقاومة

النفط بين الدولة والمقاومة


محمد شمس الدين
لم يشأ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ترك ملف النفط وترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل"، خارج سياق استراتيجية الحرب المفتوحة التي اضيف اليها هذا النوع من الملفات ذات البعد الاستراتيجي، لكن ما يجب التوقف عنده هو ما يحمله طرح هذا الموضوع بالشكل الذي طرحه السيد، من رسائل ليس باتجاه العدو وحسب وإنما باتجاه الداخل أيضا.
 ما قاله السيد على هذا الصعيد حمل رسالة الى المعنيين في لبنان مفادها: أنه من غير المسموح تمييع العمل في ما يخص مستقبل الناس جميع الناس في لبنان، ولا سيما منهم الأجيال الصاعدة التي رهنتها الحكومات السابقة لديون يعرف كل مواطن لبناني مدى العبء الذي يرزح تحته جراءها، ذلك أن تلك الديون ربما كان الهدف منها إيصال لبنان الى حالة العرض بالمزاد العلني في سوق السياسة الدولية، وما يتعلق بمشروع توطين الفلسطينيين كمقدمة لإنهاء القضية الفلسطينية، حسبما كان مخططا وربما لا يزال.
 لكن رسالة السيد الداخلية التي لم تزعج حلفاءه القيمين على ملف النفط من الناحية الإدارية، إذ اعتبروها تشكل دعما لجهودهم لا مصادرة لها، وجد فيها آخرون نوعا من مصادرة الدولة من خلال طرحها المباشر وبهذه القوة، من دون إعطاء الفرصة الكاملة للدولة وإداراتها المهنية أولا، وإفساح المجال لدور الجيش في فرض وصايته على أرض الوطن من خلال وضع خريطته للحدود البحرية، بما فيها مساحة 850 كلم مربعا هي حق للبنان وليست موضع نزاع مع العدو "الإسرائيلي" كما يعرف الجميع وكما عبّر عنه الأمين العام لحزب الله.
 المتحفظون على طرح السيد يقولون أنه تجاوز ثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة"، وأن هذه الأخيرة يأتي دورها عندما لا تستطيع الدولة بأجهزتها التصدي لأي ملف يدخل في صلب الصراع مع "إسرائيل"، وأن ما طرحه السيد سيعطي مجالا للأطراف الأخرى لتؤكد ادعاءها بأن الدولة الآن هي في يد حزب الله الذي يطرح الملفات ويقرر عن الحكومة في كل شيء، بما في ذلك قضية المحكمة الدولية. إلا أن ما قاله المتحفظون، لم يأخذ بالاعتبار التفاصيل الدقيقة التي يتابعها حزب الله والسيد نصرالله من موقعهما، علما أن السيد لفت الى معرفته ببعض دقائق الأمور غير المنشورة ولا سيما ما يحضّره بعض اللبنانيين مع عواصم عربية ودولية، عينها اليمنى على الملف النفطي والتنقيب عنه قبل اليسرى، إضافة الى أن هؤلاء على استعداد تام لبيع "جلد الدب قبل اصطياده" لسببين:
 الأول محاولة التوظيف المالي لضمان العائدات بعد الانتكاسات التي تعرضوا لها وباتت معروفة من قبل الجميع، مع الإشارة في هذا الصدد الى أن مصادر معنية كشفت أن ما صدر عن مكتب الرئيس سعد الحريري من توضيحات ونفي لناحية وضعه المالي إنما هي في معرض تأكيد الأمر لا أكثر.
 الثاني يندرج في إطار الاستثمار السياسي من خلال الضغط الدولي على الحكومة اللبنانية لإعطاء العقود الى شركات متخصصة بالتراضي تجيّر لمصلحة مَنْ هم خارج الحكم حاليا، ويرفعون شعار إسقاط الحكومة مهما كلف الأمر وبدعم دولي أيضا، ربما تكون "إسرائيل" مباشرة وراءه.
 "نحن لسنا طلاب حرب".. هذا ما قاله السيد نصرالله وهو يوجه كلامه الى المجتمع الدولي بداية، والى "الإسرائيليين" ومن ثم الى الداخل اللبناني، لكن ما يستبطنه كلام السيد هو التأكيد على أن لبنان دخل مرحلة الحسم النهائي للأوضاع، وهو لن يعود الى الوراء ليدخل مرة جديدة في تسويات معقدة قد لا تبقي ولا تذر، وهو أمر منسق مع الحلفاء استراتيجيا، إن على المستوى الداخلي أو على مستوى دول المحور، الذي من المفترض أن لبنان جزء منه، إذ أن السعي الحثيث يقوم حاليا على تثبيت موقع لبنان في المعادلة الجديدة التي أفرزتها "الثورات" أو "الفورات" العربية، وتحديدا ما آلت اليه الأوضاع في سورية، التي بدأت دول غربية وشرقية تتصرف تجاه دمشق فعلا على هذا الأساس.
 الخطوة الأولى كانت في انتاج الحكومة، ولا ينظر حزب الله الى كلام أمينه العام حول ملف النفط، الا في إطار تدعيم وضعها في مواجهة الملفات الكبرى وفي مقدمتها ملف النفط، في حين أن ما اضطلعت به في بيانها الوزاري حول المحكمة الدولية، استطاعت من خلاله الرد على الحملات التي استهدفتها محليا ودوليا على هذا الصعيد.
 قد لا يكون ما قاله السيد "منمقا" في إدارة الدولة لكن ما فرض كلامه هو الواقع الدقيق والحساس الذي تعيشه البلاد التي ساد فيها لفترة طويلة منطق الاستئثار بالسلطة والاستحواذ على المقدرات وسرقتها من أفواه الناس.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار