المحكمة الدولية.. الخطة «ج» في الحرب الأمنية على المنطقة
المحكمة الدولية.. الخطة «ج»
في الحرب الأمنية على المنطقة
محمد شمس الدين
إذا كان هناك من وصف واقعي لما تعيشه المنطقة في الوقت الراهن في ظل ما يجري فيها من حوادث ظاهرها داخلي واهدافها خارجية، فإنه الاستعداد لمرحلة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على خلفية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري في العام 2005.
منشأ هذا الكلام التحريك السريع لهذا الملف الذي تقف خلفه بقوة الولايات المتحدة الأميركية، التي اتضح أيضا أنها تتكلم عن سورية في الغرف السرية شيئاً وفي العلن شيئاً آخر، بمعنى أن رسائل الترغيب والترهيب تسقط بالجملة على دمشق في محاولة لتحصيل نتائج تذكر من خلال تحريك ملفها الداخلي تحت عنوان «الثورة» أو «الفورة» التي تجري في الشارع السوري، مع الاحترام والتقدير الكاملين لمطالب المعارضة السورية، وما تسعى اليه من إصلاحات بات من الضروري الاعتراف بأن الحكومة السورية قد سبقتها اليها بعناوين ربما لم تكن تحلم بها في يوم من الأيام.
ما تحدث عنه عضو الكونغرس الأميركي الذي زار سورية الأسبوع الماضي وأجرى خلال زيارته لقاءات كثيرة واستمع الى طرفي الأزمة السلطة والمعارضة، تحدث بكثير من الإيجابية عن تطور الأوضاع في سورية وصولا الى الاعتراف بما تقوم به الحكومة انسجاما مع مطالب الناس، إلا أن المهم في حديثه هو التطرق الى ضرورة رفع العقوبات عن سورية، مع تأكيده أن هذا الموقف ينبع منه شخصيا ولا تتحمل الإدارة الأميركية عبأه. لكن في واقع الحال هو يعكس رأياً آخر في الولايات المتحدة كشف عنه عضو الكونغرس، وقال إنه سيسوق ما رآه في دمشق أمام زملائه وإدارته في واشنطن.
لكن الدفع بملف المحكمة من جديد الى الواجهة، يشير الى أن المخطط الذي بدأ تنفيذه بعدما رفضت دمشق الرضوخ للضغوط الدولية من أجل فك مسارها عن حلفائها لا سيما إيران وحزب الله، ما زال مستمرا الى حين تحصيل نتائج سياسية ولو بالحد الأدنى من خلال «الفوضى القاتلة» التي تبنتها واشنطن وبعض العواصم الأوروبية وفي مقدمتها باريس، علما أن بريطانيا عكست موقفا ولو لم يكن رسميا من خلال صحافتها، عندما أقرت أكثر من صحيفة بوجود جماعات مسلحة تطلق النار على القوى الأمنية والجيش لتنزع بذلك الصفة المدنية عن الاحتجاجات، وتفقدها جوهرها وتحولها الى صراع سياسي ومسلح على السلطة.
ملف المحكمة الدولية الذي يجري التهديد به قد يكون الخطة «ج» أو (Plan C) وتقف وراءه ليس واشنطن وبعض العواصم الأوروبية وحسب، وإنما معظم العرب من الذين انجزوا ثوراتهم، ومن أولئك الذين يتصدون لها بالسلاح والعتاد وتجميع القوات وتحريكها كدروع للأنظمة الحاكمة بالحديد والنار، من دون أن ينتبه أحد للديمقراطيات التي يمارسونها. أن المحكمة تشكل غلافا خارجيا لما تنشده الدول الراعية لعملية التغيير في سورية، وضرب حزب الله في لبنان وإسقاط دور إيران السلمي وغير السلمي
في المنطقة، يتعامل الأميركيون مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على أنها مفتاح الحل «السحري» للقضايا الشائكة التي لم يستطيعوا إنجازها، وذلك من خلال خدمة هدف «اسرائيلي» استراتيجي وهو إغراق المنطقة في حرب طائفية ومذهبية تُبعد عن «إسرائيل» شبح الحرب الإقليمية، وتخدم دعوتها إلى إعلان الدولة اليهودية بعد تفتيت المنطقة الى كيانات طائفية صغيرة.
خطة التصدي للخطة «ج» أو (Plan C) جاهزة بحسب المصادر السياسية المعنية في لبنان، في حين أكدت ذلك ايضا المصادر المعنية بهذا الملف في سورية، إذ ان المعلومات المتوافرة عن القرار الاتهامي وإن انحصر بجزئه الأول بحزب الله تقول، إن الاتهامات ستشمل بعض الأسماء السورية في مرحلة لاحقة بعد تبيان ردود الأفعال لبنانيا، على أن يليها اتهام سورية وفي مرحلة أخرى يجري إدخال بعض الأسماء من إيران استكمالا لرسم «لوحة الفتنة».
على المستوى اللبناني، لن تقدر الدول الراعية لأهداف المحكمة السياسية، الضغط على الحكومة اللبنانية لتقديم واجب الطاعة، لأن الرئيس نجيب ميقاتي الذي يرأس حكومة من أقوى الحكومات التي مرت على لبنان، لن يستطيع تلبية الشروط بعدما انتظر تنفيذها بالمماطلة في تشكيل الحكومة لمدة خمسة اشهر، ذلك أنه بإقدامه على التشكيل في النهاية يكون قد أرسل رسالة مفادها أنه ليس آبها برأيهم، مع الإصرار على بقاء العلاقات مع تلك الدول في أحسن حالاتها، ولكن ليس على حساب لبنان.
أما في ما يتعلق بالجانب السوري، فإن الرسائل التي اطلقت من خلال المواقف المعلنة، تشير إلى أن موقف الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير، أو من خلال ما صدر عن وزير خارجيته وليد الملعم تعقيبا واضح، ولن يكون افضل من الأداء الذي تؤديه دمشق حيال مواقف الدول نفسها التي تصر على رعاية التغييرات في سورية، علما انه بات مؤكدا أنها سورية «مئة بالمئة».
يبقى ان نعرج على الموقف الإيراني الذي عبَّر بالأمس عن نفسه من خلال المناورات الصاروخية التي أطلقتها طهران، وهي تحمل عدة رسائل في اتجاهات متعددة، إحداها تنطلق باتجاه ما يجري في سورية وما تتعرض له من تهديدات خارجية معطوفة على تحريك الوضع الداخلي فيها، والأخرى باتجاه لبنان وما يحضر له، إن على المستوى الداخلي أو ما تشكله مناورات (نقطة تحول 5) من تهديدات بحرب يتوقعها لبنان، المعني الاساسي بها في هذه المرحلة بالذات.
المصادر السياسية نفسها تقول إن لا خوف مما يحضر بشأن موضوع المحكمة الدولية إذا ما التزمت الأصول والمعايير الحقيقية في التعامل مع قضية اغتيال الحريري، وضم كل الفرضيات التي طرحت، حتى تلك التي تقول في «الكواليس» إن أجهزة المخابرات الأميركية وشريكتها «الإسرائيلية» إضافة الى احد أجهزة الاستخبارات النشطة لدولة عربية اساسية في الصراع كانت خلف عملية الاغتيال.
ما قاله الأمين العام لحزب الله في كلمته المتلفزة بالأمس يؤكد أن المسار الذي ستسلكه المحكمة الدولية الخاصة لن يلقى أي تجاوب من قبل جميع المتهمين لأنه ليس سوى جزء من الحرب الأمنية التي تشن على المقاومة ومحورها في المنطقة منذ انتصار المقاومة في حرب العام 2006، وهو ما وصفه أحد صانعي السياسة بالخطة «ج» من دون معرفة أفق الخطة «د» التي على الأرجح ستظهر الحرب العسكرية من جديد كخيار وحيد في المواجهة.
تعليقات