الحكومة: فريق سياسي واحد.. ومواجهة


 الحكومة: فريق سياسي واحد.. ومواجهة
البناء 21 تموز 2011
محمد شمس الدين

تستكمل الأكثرية الجديدة خططها لتصحيح الخلل الذي تركته الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري، قبل أن ينتقل هو وفريقه السياسي الى المعارضة من خارج السلطة ومن خارج لبنان أيضا، إذ أن سياسته في الداخل اللبناني وبالملفات التي تعني اللبنانيين في معيشتهم وهمومهم، بدأ يديرها من السواحل الفرنسية، ومن على قوارب سياحية ضخمة في عرض البحر على ما تنقله بعض الأخبار.. التي يبدو أنها مؤكدة.
 ما تقوم به الحكومة الحالية من خطوات، إن على صعيد التعيينات الإدارية في كل المؤسسات ولا سيما الأمنية منها، او على صعيد المواقف السياسية حيال الملفات الساخنة، يؤشر الى ثباتها ضمن الاستراتيجيات التي وضعها الفريق السياسي الذي انتجها.
 فمن خطوة رئيس الحكومة نحو الجنوب بما تحمله من مضامين سياسية محلية ودولية، الى المواقف «الباردة» و»الواقعية» التي يعلنها حول طريقة تعاطي الحكومة مع ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي يكمن فيها «مفتاح الشر» الداخلي وربما الخارجي على مستوى المنطقة. تبدو الحكومة ورئيسها متماسكين في مواجهة موجات الضغط المتواصل من قبل الدول الغربية عبر سفرائها في لبنان، من خلال محاولاتهم تحريك الساحة عبر القوى الحليفة التي تعمد الى التهديد، تارة بالنزول الى الشارع، وتارة عبر رسائل التحذير التي ترسل يمينا ويسارا الى رئيس الحكومة تحديدا، من اجل الحد من اندفاعته الى إجراء تغيير جذري على المستوى اللبناني في الفترة التي يفترض أن تبقى فيها الحكومة مضطلعة بمسؤولياتها في السلطة.
 يضغط فريق الأكثرية السياسي للمحافظة على وجود حكومته للاشراف على الانتخابات النيابية المقبلة في 2013، أو على الأقل كي ترسي قوانين صحيحة لاجراء عملية انتخابية سليمة للحد من سلطة المال السياسي الذي بدأ يجهَّز لخوض تلك المرحلة.
 تقول مصادر سياسية عليمة، إن الحراك الذي يجري عربيا ودوليا لا يزال ينصب على إعادة الفريق الذي خرج من السلطة اليها، بالرغم من كل التقارير الدبلوماسية التي يبعثها السفراء الأجانب الى دوائر الخارجية في بلدانهم، والتي تركز على انه من الصعوبة بمكان إعادة عقارب الساعة الى الوراء، وتجييش البلد وصولا الى تكرار تجربة إسقاط الحكومة في الشارع كما حصل أيام الرئيس عمر كرامي، لأن الفريق الحاكم وبالرغم من خطابه السياسي الذي يدعو الى المشاركة، لا يبدو أنه مستعد لتقبل أي رأي آخر في فترة ممارسته السلطة إلا ضمن شروط ليس من السهل التفاوض بشأنها، كما أن الفريق المعارض لا يستطيع حيالها شيئا بعدما أظهر عدم صدقية في التزاماته في ما يعرف «بمسودة الاتفاق» التي كان الحريري قد وافق عليها لإنتاج تفاهم مع حزب الله وسورية بمباركة المملكة العربية السعودية وكل الأطراف التي ساهمت في وضعها ومن بينها تركيا.
 تضيف المصادر، أن الحريري انصاع في حينه الى الإرادة الأميركية، وفضل المراهنة حتى على سلطة الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي كان في فترة علاجية في الولايات المتحدة، لكن الحريري اليوم لا يستطيع أن يفعل شيئا حيال كل ما يجري، وهو ينتظر ما سترى فيه الإدارة الأميركية مصلحة لها ولـ «إسرائيل» حتى يقوم بتبنيه والسير به مع حلفاء باتت مواقفهم الإسترايجية واضحة وتلتقي مباشرة مع محور تقوده الولايات المتحدة في المنطقة، يسعى الى ضرب حزب الله ونزع سلاحه، وصولا الى تطويق سورية وايران في مرحلة لاحقة وليست بعيدة، نظراً لما يجري على الساحة السورية حسب تقديرات هؤلاء.
 تسير الحكومة اللبنانية وفق هذه المعطيات. وهي، بحسب المصادر، تعتبر تماما أن عليها أن تحسم خياراتها السياسية حتى لو كلفها ذلك مواجهة التهديد بالعزل الذي ينقله السفراء أنفسهم الى رئيس الحكومة مباشرة أو بالواسطة. لكن رد الحكومة يأتي متأنيا وحذرا في الحدود القصوى ايضا، باتتظار جلاء الموقف عربيا ودوليا حيال ما يجري في بعض النقاط الساخنة وفي طليعتها سورية.
 من الواضح جدا أن الحكومة تعمل ولأول مرة كفريق سياسي منسجم، وهذا المناخ فرضته وقائع المواجهة الداخلية من خلال ما كرسته الحكومة السابقة على صعيد المواقف والتحالفات من جهة، ووقائع المواجهة الخارجية التي شكلت جبهة عريضة لحماية الداخل بما ينسجم مع المشروع السياسي الذي تقوده الدول الغربية في الدول العربية والذي كان يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد من جهة ثانية.
 الحكومة لا تزال مستعدة للحوار، وربما اليوم أكثر من الأمس، بعدما لامست انتهاء فترة التموضع بالرغم من كل العراقيل، وهذا ما يعلنه قادة فريقها السياسي ولا سيما لجهة استئناف الحوار على طاولة رئيس الجمهورية في بعبدا، لكن ذلك يبدو ضربا من الخيال في ظل الإجازات الطويلة التي منحها فريق المعارضة لنفسه، فضلا عن فقدانه لكل مقومات مشروعه وبيع آخر عناصره، قضية الحقيقة.. للشيطان.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار