"التغييرات" واحتمالات الحرب؟
"التغييرات" واحتمالات الحرب؟
البناء 21 شباط 2011
محمد شمس الدين
السفينتان الحربيتان الإيرانيتان اللتان ستعبران قناة السويس اليوم باتجاه البحر المتوسط، وهو التحرك الأول على هذا المستوى منذ 1979 تاريخ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، إنما يحمل دلالات بالغة الأهمية في ظل الحراك المتسارع الوتيرة الذي تشهده المنطقة العربية منذ ما يقارب الشهرين، ونتج عنه سقوط أنظمة بأمها وابيها ظلت حاكمة لعقود، وكان لها تأثيراتها في صياغة المنطقة في صورتها الحالية والتي على ما يبدو أن وقت تحولها قد بدأ.
تلك التحولات لم ترسو بعد على برٍ محدد لا سيما في مصر، ولا يمكن من خلالها الجزم الآن بما ستكون عليه المواقف الجديدة للقاهرة حيال قضية الصراع العربي – "الإسرائيلي"، وإن أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية الذي يدير السلطة بصورة مؤقتة إبقاءه على كل الاتفاقات التي كانت معقودة ايام النظام البائد، لكن هذا القرار لا يعبر بالضرورة عما ستكون عليه صورة الاتفاقات أو سياسة مصر على الأقل حيال القضية المركزية للعرب، أو بالنسبة الى الملفات التي كانت إدارة الرئيس المخلوع حسني مبارك تضطلع بها بتكليف عربي حليف أو أميركي حليف وصديق، خصوصا ملفي فلسطين ولبنان. غير أن ما يحصل على المقلب الآخر يظهر بأن الدولة العبرية قد بدأت التحضير لمواجهة مرحلة جديدة كلياً، وتختلف بشكل كامل عن الفترة التي عاشتها في ظل "اتفاقية كامب ديفيد" التي اخرجت مصر من لعبة الحرب العربية – "الإسرائيلية". فالمعلومات المتوفرة لبعض المراقبين تشير الى أن "إسرائيل" قد اعلنت حالة طوارئ خفية على كل المستويات السياسية، الإقتصادية، العسكرية والأمنية لمواجهة المتغيرات التي تطل برأسها عبر أكثر من بوابة قد تعيد عقارب الساعة الى الوراء، وتضع "إسرائيل" من جديد أمام تحديات لن تستطيع السيطرة عليها.
لقد استنفرت الدولة العبرية كل مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية لديها من أجل إعادة تقييم الموقف، فيما خص سيناريوهات كانت قد وضعتها فعلا قبل سنوات عديدة لمعالجة أي تغيير قد يطرأ في العالم العربي على المستوى الذي يحصل حاليا، وهي رفعت من وتيرة مشاوراتها مع الحليف الأميركي من أجل التوصل الى رؤية واحدة لتفادي تداعيات ما يحصل، في حين أن الاميركيين الذين دخلوا على خط التغييرات في تونس ومصر منذ اللحظة الأولى في محاولة للإلتفاف على ما ينجم من نتائج غير متوقعة لتلك التغييرات، لم يستطيعوا أن يقدموا لـ "إسرائيل" ما يطمئنها، ما أثار مخاوفا كبيرة لدى "تل ابيب" التي بدأت من ناحيتها توجيه اللوم الى الإدارة الأميركية على ما اعتبرته تقصيرا من قبلها في احتواء الموقف، كما انتقدت طريقة تعاطيها مع الأحداث الجارية.
تعمل "تل أبيب" حالياً بحسب المراقبين أنفسهم على خطين متوازيين: الأول: ديبلوماسي من أجل تجييش الدول الغربية وحثها على التحرك، للجم التحركات الشعبية العربية التي من غير المعلوم الى أين ستتجه ما قد يعرض المنطقة الى كارثة حقيقية من وجهة نظرها. الثاني: الاستعداد العسكري لشن حرب في المنطقة تعيد خلط الأوراق من جديد وتضع حداً لطموحات "الحكام الجدد"، وهي تعرف مسبقاً انه مهما كانت قدرة هؤلاء على التعاطي الإيجابي مع وجودها وبالتالي مع ما يتوافق مع مصالحها، فإن الأمور لن تعود الى سابق عهدها ما يوجب التفتيش عن مخارج من شأنها الحد من الخسائر المتوقعة.
من هنا تبرز التصريحات النارية التي أطلقها المسؤولون "الإسرائيليون" في خضم مراسم تعيين الرئيس الجديد لأركان الحرب "داني غينيتس" خلفاً لـ"غابي اشكينازي"، والتي رد عليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالتهديد بالاستيلاء على الجليل الاعلى في حال أقدمت "إسرائيل" على اي عمل ضد لبنان، ما وصفه المراقبون بـ"الجدي جدا" في ظل الظروف المسيطرة في المنطقة. حيث يشير هؤلاء الى أن لبنان ما زال النقطة "الأكثر جذباً" للحرب "الإسرائيلية" المقبلة بالرغم من الأذى الكبير الذي الحقته المقاومة بها إبان العقدين الماضيين وتوجته بانتصارين باهرين في الـ 2000 والـ 2006، وعلى اعتبار أن تل أبيب لن تفتح النار باتجاه دول عربية ما زالت تأمل بالتفاههم معها، كما أنها ستنتظر الزمن الكافي لاستطلاع وتبيان المواقف من الدول العربية التي تعرضت وتتعرض للتغييرات حتى تبني على الشيئ مقتضاه.
يرى المراقبون أنفسهم ان أسهم احتمالات اندلاع حرب جديدة في المنطقة قد ارتفعت في ظل ما يجري على الساحة العربية من جهة، والتهديدات العالية النبرة التي حفلت بها الايام القليلة الماضية، وهذان الأمران هما اللذان أوجبا التحرك الإيراني "الجدي" أيضا هذه المرة باتجاه البحر المتوسط، وذلك أيضا انسجاما مع ما كان أُعلن سابقاً خلال اللقاء الثلاثي الذي عقد في دمشق في شباط 2010 اي منذ سنة كاملة، بين الرئيسين السوري بشار الأسد والإيراني محمود احمدي نجاد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وكان الهدف منه توجيه رسالة قوية الى "إسرائيل" مفادها "أن الحرب بالنسبة الينا اسهل مما تتصور". وفي هذا السياق فإن المراقبين يعتقدون بأن تفاعل الحراك الشعبي في عدد من الدول العربية ودفعة واحدة، قد يتصل بشكل او بآخر بمحاولة أميركية لاستغلال واستيعاب ما يحصل بعدما اصطدم المشروع الأميركي بعد غزو العراق في 2003 بعقبات ثلاث، الأولى، عدم القدرة على محاصرة إيران وإخضاعها لا من خلال الوجود العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان، ولا من خلال التأثير في مجريات ملفها النووي وما فُرِض من عقوبات عليها. الثانية، عدم القدرة على إسقاط سورية أو إخضاعها بموجب القرار 1559 الذي انسحب جيشها من لبنان بموجبه ليكون ذلك مقدمة لمشروع "الشرق الأوسط الجديد". الثالثة، فشل "إسرائيل" في القضاء على حزب الله في الـ 2006، ليعود هذا المشروع ويطل برأسه من خلال أحد أبرز بنوده وهو بند "تجديد الأنظمة"، بعدما حكمت الإدارات الأميركية المتعاقبة عليها بأنها أصبحت "هرمة" ولا تتناسب مع طموحاتها في المنطقة، وذلك كخطوة استباقية لما يمكن أن تحققه إرادة شعوبها مخافة ان لا تستطيع الولايات المتحدة التحكم به أو السيطرة عليه.
تعليقات