ليست مشكلة حقائب؟!
ليست مشكلة حقائب؟!
البناء 14 شباط 2011
محمد شمس الدين
لم يفت الأوان بعد على إعلان تشكيلة الحكومة المنتظرة، والتي يحاول رئيسها المكلف نجيب ميقاتي إنجازها وفق «الإسراع وليس التسرع» بحسب ما أعلن سابقاً. لكن التطورات التي شهدتها الاتصالات في الأيام القليلة الماضية وتمثلت بلقاء دار الفتوى الذي شارك فيه ميقاتي، واتبعه «بشهاب ثاقب» بزيارته الى بيت الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، قد فرضت أداءً جديداً يبدو واضحا في سلوك ميقاتي الذي يسعى بحسب التسريبات الى «مشاركة جامعة» في الحكومة، يكون عمادها الأول عودة قوى 14 آذار عن إحجامهم عن المشاركة، بعدما كانوا قد أعلنوا عن شروطهم لتحقيق ذلك. وعلى هذا الأساس لم تصدق توقعات رئيس مجلس النواب نبيه بري التي أطلقها في زيارته الأخيرة الى قطر، حول موعد إعلان تشكيل الحكومة العتيدة، وكان بري قد غادر لبنان وفي جعبته أن الرئيس المكلف صار في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الحكومية.
ما جرى في دار الفتوى احدث إرباكاً في صفوف الأكثرية الجديدة، ورسم علامات استفهام حول ما يمكن أن يتوصل اليه ميقاتي من خلال «الإذعان» الى ضغوط «التكتل السني» في قوى 14 آذار، لا سيما أن اللقاء في الشكل والمضمون إنما يؤكد على «إدارة مذهبية» لملف رئاسة الحكومة، وهو ما عارضه في المبدأ الرئيس المكلف، واعتبر أن ذاك الموقع هو لكل لبنان، فيما ظهر أن قوة التمذهب فاقت إرادة المواطنة.
لم يتضح بعد ما إذا كان ميقاتي قد اجترح حلولا وسطاً حيال ما يطرح على مستوى الأزمة السياسية تحت عنوان المشاركة او عدمها، خصوصا أنه لا يمكن أن يقدم اية تنازلات، وهو يعلم أنه لم يأت الى رئاسة الحكومة تحت عناوين مطلبية أو إدارية يحتاج البلد الى عملية تصحيح واسعة فيها، وإنما تم تكليفه ليكون «وسطياً» في إدارة أزمة سياسية مستفحلة شكل فيها رئيس الحكومة السابق طرفاً اساسياُ، اذ كان يسعى الى تطبيق برنامجه السياسي بشكل واضح، ناسياً أو متناسياً اي مشاكل اخرى يعاني منها البلد على اعتبار أنها ليست متقدمة في سلم الأولويات.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية في الأكثرية الجديدة، إن الرئيس المكلف لن يستطيع أن يتناسى الأزمة السياسية ويتجه فقط الى تشكيل حكومة «تكنوقراط» بهدف إنجاح عهده، فالضغوطات التي تفرضها تلك الأزمة لا يمكن القفز فوقها، وبالتالي فإن عليه أن يكون واضحا في إعلان موقفه منها في ظل صياغته للتشكيلة الحكومية لأنه سيعود لمواجهتها في البيان الوزاري لاحقاً ما سيقوض نهجه الوسطي الذي يحاول الظهور به. وتؤكد المصادر السياسية نفسها، ان لا شروط وضعت مسبقاً على الرئيس ميقاتي من قبل المعارضة السابقة في مرحلة تكليفه، ولا هي طلبت منه ان يخوض معركتها لإسقاط المحكمة الدولية أو رد الهجمة على سلاح حزب الله، وما يحكى عن استخدام هذا السلاح في الداخل، لكن اقصى ما تريده قوى الثامن من آذار هو أن يمارس «وسطيته» في النظر الى كامل الملفات، وأن يكون قادراً على مواجهة أي قرار يصدر عن المحكمة الدولية في ظروف سياسية معروفة الأهداف، لا أن يستجيب مباشرة الى إملاءاتها، والتعاطي معها على أن ما تطلبه «مقدساً» لا تجوز مناقشته.
ما يروج عن طروحات «طوباوية» تدور حول صيغة حكومية تقوم على ثلثين معطلين انطلاقاً من وسطية ميقاتي، يعني أن على الرئيس المكلف أن ينسف حكومته قبل أن يترأس أولى جلساتها. كما أن ذلك من شأنه رفع لافتة «الحكومة معطلة» على باب مجلس الوزراء بحسب المصادر السياسية، التي لم تستبعد أن يكون وراء هذا الطرح، الأفكار الأميركية ذاتها التي تسعى الى شل الحكومة وضربها إذا لم تعمل تحت وصايتها، مشيرة الى أن المرحلة سياسية بامتياز وتفرض حسم المواقف في ظل التشكيل الذي لا يجب أن تطول فترته، لأن الاستحقاقات باتت داهمة على ضوء المتغيرات التي تحصل في أكثر من عاصمة عربية ولا سيما بعد التغيير الذي جرى في مصر، والذي ارتبط تشكيل الحكومة اللبنانية في لحظة ما بانتظار نتائجه. اما وقد ظهرت تلك النتائج مصحوبة بـ»ضباب كثيف» يحيط بها لناحية الاتجاه الذي ستسلكه «الثورة» في ظل بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، فإن الأمور لن تعود في مصر الى ما كانت عليه في العهد البائد، ما يعني اننا سنشهد مرحلة جديدة كليا ستكون لها انعكاساتها على مجمل الملفات في المنطقة، لا سيما في فلسطين ولبنان اللذين طالما شكلا عناصر الأزمة السياسية بين دول المنطقة، في حين حصدا نتائج تلك الأزمة على المستوى الداخلي.
المشكلة ليست مشكلة حقائب، تؤكد المصادر السياسية التي اشارت الى أن هذا النوع من المشاكل يمكن تجاوزه وحله، خصوصاً إذا كان الانسجام السياسي قائما بين الفرقاء المعنيين، لكن ما لا يمكن حله هو الخلاف السياسي حول قضايا رئيسية لا يتوافر حولها الحد الأدنى من التوافق حتى الآن.
تعليقات