من جنيف الى طرابلس

من جنيف الى طرابلس
البناء 2 كانون الأول 2013
محمد شمس الدين

جرعة جرعة وعلى مهل، تتقدم المحادثات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي للأخيرة والتي على ما يبدو لن تقف عند حدود التخفيف من العقوبات أو إعادة تصدير النفط والعلاقات الإقتصادية بل ستتعداه الى تفاهمات استراتيجية من شأنها قلب التوازنات في المنطقة بعد أكثر من ثلاثة عقود من الحروب التي تراوحت بين الأمن والعسكر والسياسة الإقتصاد من دون طائل وتحت عناوين لا تمت الى الواقع بصلة.

ما نجحت به المملكة العربية السعودية و"إسرائيل" مجتمعتين ومنفردتين بقصد أو (من دون قصد) هو توجيه الإهتمام الدولي نحو فكرة "الإرهاب" لا سيما بعد أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة بغض النظر عن حقيقة ما جرى وعلاقة "المملكتين" العربية و"الصهيونية" بها، ولصق "الإرهاب" بإيران كونها تعلن عن توجهها الإسلامي حتى وإن كان يمارس تلك "الآفة" سنياً وفي دول لا يشكل فيها الشيعة أكثر من نسبة ضئيلة، مثل أفغنستان وباكستان، أو نعت اصحابه بالفئة "التكفيرية الضالة" بحسب التعبيرات التي روجتها الدولة العربية الأكبر في الخليج، لكن في واقع الأمر فإن الأخيرة تصف أهل تلك الفئة بهذه الصفة فقط عندما يكون الأمر يتعلق بها وبأمنها الداخلي، لكنها تقول عنهم "جهاديون" عندما يخوضون حربها ضد من ترى فيهم أعداءها لاسيما إيران وسورية ولو استخدموا الذبح وتقطيع الرؤوس والإعدامات العلنية كوسيلة للوصول الى غاياتهم.

ما يتم تداوله حول التفاهمات الإيرانية مع مجموعة (5+1) في جنيف أنها ستكون ممهدة لاتفاقات أكبر لا سيما بين واشنطن وطهران تصل الى حد الإقرار بالدور الإيراني في المنطقة على الأقل إن لم نقل أن الإعتراف الذي سيليه سيكون مزدوجاً روسياً – أميركياً بقطبية إيران على مستوى العالم انطلاقاً مما صارت تملكه من مقدرات وقوة موزعة في غير بقعة من بقاع العالم وتحديداً في الشرق الأوسط واميركا الجنوبية.

يقول الإيرانيون إنهم ليسوا مستعجلين على أية خطوة في هذا الإتجاه لكنهم يسيرون بثبات لتحقيق شروطها التي تحتاجها، وهم يؤكدون أن المسارات التي ستلي تطبيق المرحلة الأولى من "جنيف النووي" ستكون مختلفة تماماً عما قبلها خاصة لجهة الأزمات القائمة في المنطقة وفي مقدمتها الأزمة السورية لأن الإتفاق لن يؤخر إيران عن متابعة التزاماتها في هذا السياق وهي تعتبر أن جزءً كبيرا مما وصلت اليه في الفترة الأخيرة هو بفضل النتائج التي حققها انتصار حزب الله على "إسرائيل" في 2006 وصمود الدولة في سورية بوجه الحرب الدولية عليها بواسطة "الجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات".

 ويشيرون الى أن إيران في هذا الصدد، تعتبر أن ما تم التوصل اليه في جنيف سيوفر دفعاً جديداً لتكملة المهمة في سورية في إطار النهج الذي تؤمن به وعلى أساسه جرت مشاركة حزب الله اللبناني في المعارك هناك في سياق حرب إقليمية – دولية بالنظر الى الصورة التي جرى اصطفاف العالم على أساسها وفي مقدمتها الموقف الروسي الذي انطلق بفعالية أكبر بعد تفاهمات جرت بين طهران وموسكو وأرستها زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الى إيران وبعدها لبنان حيث مكث لأكثر من ثلاثة ايام أجرى خلالها أكثر من عشرين لقاء توجت بلقاء مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في رسالة واضحة للأميركيين وحلفائهم لا سيما "إسرائيل" والسعودية الذين يخوضون الحرب في سورية مفادها أن "فهمنا للإرهاب هو غير فهمكم له".

وفي هذا السياق يبدو المشهد السوري أكثر وضوحاً من ذي قبل. فقد باتت الحرب في سورية آخر ملاذات السعودية و"إسرائيل" لتغيير الواقع الذي بدأ يفرض نفسه شيئاً فشيئاً على مسرح السياسة الدولية وعلاقاتها بعدما قطعت سورية بقيادة رئيسها بشار الأسد ثلاثة ارباع الطريق باتجاه تحقيق الإنتصار على خصومها في الداخل والخارج، وهو ما ينعكس على وتيرة المعارك التي تدور في المنطاق التي ما زالت تشهد قتالاً مع محاولات مستجدة لإحداث خروقات في مناطق أخرى كان الجيش السوري قد استعاد السيطرة عليها وطرد المسلحين منها، ليظهر أن التعاون الإسرائيلي – السعودي جاد في الوصول الى ما يمكن أن يشكل معوقاً لما تم التوصل اليه في "جنيف النووي" وبالتالي يضع حداً لإمكانية نجاح "جنيف السوري" المرتقب في 22 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.

ومن ناحية اخرى فإن العمليات العسكرية لـ"الجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات" التي يظهر العامل "الإسرائيلي" فيها بشكل واضح لاسيما بعد عمليات التشويش على الإتصالات التي ترافقت مع معارك جبل القلمون الأخيرة، قد تشكل نتائجها إذا ما تحققت دفعاً للتعاون السعودي – "الإسرائيلي" باتجاه شن عدوان على إيران بهدف إعادة خلط الأوراق.

لا يبعد ما يجري في لبنان من توتير أمني إن عبر الضرب بالسيارات المفخخة أو إشعال فتيل التفجير في طرابلس عن خطة رئيس الإستخبارات السعودية بندر بن سلطان ورصيده المصرّح عنه في إطار التعاون مع "الإسرائيليين" لإشغال الساحات حيث لإيران وسورية نفوذ وحلفاء بهدف توفير اكبر قدر ممكن من الضغط ، إلا أن الطرف الآخر يعي بأن الحرب قد تمتد باتجاهات متعددة.

ما بات من مسؤولية الجميع هو حماية الإنجاز الذي تحقق في جنيف النووية والذي صار الأميركيون الذين يتحركون في المعارك السورية مع السعوديين و"الإسرائيليين" عبر الأردن جزءً منه، ما يستلزم "الحذر" الذي يعبر عنه الإيرانيون بأنه لا يمكن "الثقة" بالولايات المتحدة حتى يثبت العكس من خلال الوقائع على الأرض والتي لم تكن يوماً تُقدم كهدايا لاسيما في الصراعات الكبرى.

   


   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار