فراغ دستوري مبكر

فراغ دستوري مبكر
البناء 16 كانون الأول 2013
محمد شمس الدين

ينشط الرئيس اللبناني ميشال سليمان في الوقت الضائع بين مؤتمري "جنيف النووي" الذي خرج بنتائجه في 24 تشرين الثاني الماضي، و"جنيف 2" السوري، الذي من المفترض أن ينعقد في 22 كانون الثاني المقبل وسط توقعات متايبنة أولاً حول جدية انعقاده وثانياً حول ما يمكن أن يؤدي اليه من نتائج تضع حداً للحرب المستعرة في سورية والتي اتخذت منحى إقليمياً باميتاز بعد انحسار عاصفة التدخل الدولي إثر تراجع الولايات المتحدة عن شن عدوان على المنطقة كانت له اسبابه المرتبطة بموازين القوى ليس إلا.

ما يحاول الرئيس اللبناني اقتناصه هو فرصة "للتجديد" لولاية رئاسية كاملة أو "التمديد" لولاية أو نصف أو ربما ثلث ولاية بعد انتهاء فترة حكمه في أيلول المقبل، ذلك أن المواقف السياسية التي يطلقها تلعب على وتر تحقيق ذلك عبر مغازلة فريق سياسي بعينه ومن يقف وراءه إقليمياً وتحديداً المملكة العربية السعودية التي ربطت كل الوضع اللبناني بنتائج الحرب التي تخوضها في سورية ضد الرئيس بشار الأسد بعد خسارتها المحققة في المرحلة الماضية منذ انكفاء دولة قطر عن دورها في إدارة الحرب لمصلحة الرياض التي شعرت أنها مجبرة على خوض المعركة بنفسها بعد التقهقر الذي منيت به الجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات والتغيير بالموقف الدولي بحيث لم يبق أية دولة من مجموع تلك التي تحمست كثيرا في البداية لكنها سرعان ما تراجعت الى الحد الأقصى الذي عبر عن نفسه بالتراجع الأميركي والذهاب بعيداً في اتفاق "نووي" مع إيران أربك السعودية و"إسرائيل" في آن.

منذ مدة والرئيس سليمان يبحث في امكانية إيجاد مخرج لحكومة تخدم توجهه بتجديد ولايته عبر طرح الكثير من الصيغ على رئيس الحكومة المكلف تمام سلام، إلا أن الأخير كان يعلم أن أية فكرة لن تنال رضا فريق 8 آذار وحزب الله لأنها نابعة من انحياز كامل للفريق الخصم من قوى 14 آذار التي تعتبر أن الحكومة والرئاسة منفذها الوحيد على اعادة التموضع السياسي بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها وفشل رهاناتها على سقوط الدولة في سورية لصالح الجماعات المسلحة كمشروع سياسي تديره السعودية أخيراً.

تقول مصادر مطلعة على كواليس حركة سليمان أن الأخير دفع باتجاه تشكيل حكومة مصغرة من 14 وزيراً بالإتفاق مع "تمام بك" وأنه يعتزم إعلانها قبل نهاية العام الجاري أي في خلال أسبوعين على أبعد تقدير وهو ما لمس أنه يرضي السعودية التي زارها في الأسبوع الأول من الشهر الماضي، في حين أن طرحه هذا كان تداول به منذ أشهر لكنه عاد وتريث به الى ما بعد زيارته الأمم المتحدة في أيلول الماضي من أجل مروحة أوسع في الإستشارات واستشراف أفق ما يدور في أروقة الأمم المتحدة حول إيران و سورية.

وتشير المصادر الى أن "الكباش" العنيف حول تأليف حكومة لبنانية جديدة ستزيد حدته كلما اقتربت البلاد من فترة الـ60 يوماً الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والتي تبدأ في 25 آذار المقبل، لكن الطريق قطعت على سليمان على أكثر من مستوى أولها إعادة طرح صيغة 9 + 9 + 6 التي وافقت عليها قوى 8 آذار، لكنها لم تقنع الفريق الآخر ورئيس الجمهورية، وثانيها المواقف السياسية ذات النبرة العالية التي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول الإستحقاق الرئاسي وضرورة التوافق على رئيس جمهورية جديد ما يعني عدم قبوله وفريقه بأي شكل من الأشكال بأية صيغة لتمديد ولاية الرئيس الحالي.

إقدام رئيس الجمهورية على التوقيع على صيغة حكومية غير توافقية ومن دون أن تنال الثقة كأمر واقع قد تكون له تداعيات عكسية تماماً تذهب باتجاه "فراغ دستوري مبكر" إذ أن خطوة رئيس الجمهورية لن تقبل من قبل فريق 8 آذار الذي سيقاطع حكومة تصريف اعمال غير ميثاقية كما ستضطر هذه الخطوة الى إعلان رئيس الجمهورية فريقاً سياسياً في معركة هو نفسه يقول أن لبنان لا يستطيع أن يتحملها أو تبعاتها وبالتالي سيكون قد عجل بأجل ولايته الحالية من دون أن يخرج بحد أدنى من التوافق الأمر الذي سيترك البلاد على شفير أزمة تعيد الى الأذهان فترة حكم الرئيس أمين الجميل في نهاية الثمانينات.

الأزمة المستفحلة في المنطقة الناشئة عن الأزمة السورية بدأت ترخي بظلالها الثقيلة على لبنان بشكل مباشر، أو بمعنى آخر فإن هذا البلد بات يشكل ساحة الحرب الحقيقية أمام المملكة السعودية التي تحاول استعادة موقعها من خلال ما يمكنها تحقيقه إن في لبنان أو سورية أو حتى بالمنطقة في المواجهة المفتوحة مع إيران. لقد كانت الرياض لتكون راضية تماماً عن الإتفاق النووي بين طهران ومجموعة "5 + 1" في جنيف لو أنها استطاعت أن تأخذ في مقابله في سورية شيئاً، وهي كانت تفضل ذلك أو بالأحرى هو ما انتظرته حتى اللحظة الأخيرة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لكنها لم تكن تعلم أن واشنطن عندما تراجعت عن شن عدوانها على سورية كانت قد خضعت بالكامل لتهديدات إيران بعدم السكوت على أية خطوة أميركية من هذا النوع، وأنها أيضاً اتخذت من ذلك الخضوع ممراً باتجاه تحقيق اي نوع من التقارب وفق تصور أميركي جديد لموازين القوى في المنطقة، وفي هذا السياق اسقطت أميركا من حساباتها ولو مؤقتاً رد الفعل الإسرائيلي بالرغم من كلفته العالية عليها.

يبدو أن سليمان لم يدرك هذه الحقائق التي لم تستطع "قوى عظمى" في المنطقة والعالم تجاهلها. لقد ذهب في الإتجاه الوحيد الذي وجده مفتوحاً أمامه من دون أية رؤية سياسية واضحة أو ممكنة، لكنه راهن على أن خسارته مع السعودية قد تكون أقل بوجود بدائل لا يمكن أن يصرفها غيرها في مواقع مماثلة.
 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار