مشهد مظلم..؟!
مشهد مظلم..؟!
البناء 23 كانون الأول 2013
محمد شمس الدين
بعد الخطاب الأخير
للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم الجمعة الماضي في تأبين القيادي
"اللامع" حسان اللقيس الذي اغتالته "إسرائيل" بحسب ما توفر من
أدلة ومعطيات حتى الآن، فإن قوى 14 آذار لا يبدو أنها مستعدة للدخول في أية عملية
توافقية تعيد انتاج الدولة في لبنان بعيداً عن "شرطها المستحيل" وهو "خروج
حزب الله من سوريا" وانسحابه من القتال الدائر هناك والذي يصنفه السيد، بأنه
يندرج في إطار أعلى مستويات الإستراتيجيات التي تلامس "المقدسات" ما
يعني أن البلاد ذاهبة باتجاه التصعيد والتوتير السياسي والأمني على حد سواء.
معروف أن تلك
القوى في 14 آذار لا تقوى على المواجهة إلا من خلال أمرين: الأول قرار خارجي
وتحديداً سعودي يقوده رئيس الإستخبارات في الممكلة بندر بن سلطان، وتحكمه المعطيات
الميدانية من جهة، وما يمكن من جهة ثانية، أن تسفر عنه الإتصالات السياسية التي
تدأب روسيا والولايات المتحدة على إجرائها بشأن تليين الموقف السعودي واشراك
المملكة بجزء من الحل السوري بعدما اعتبرت واشنطن أن ما وصل طهران حتى الآن كافٍ في
هذه المرحلة لتتجاوز عن مشاركتها في مؤتمر "جنيف 2" حول سورية.
أما الأمر الثاني
الذي تتكل عليه قوى 14 آذار لخوض المواجهة والمرتبط مباشرة أيضاً بخيارات
"بندرية" هو "الشراكة" المعلنة مع قوى "التشدد الإسلامي"
والجماعات التكفيرية التي على ما يبدو أنها باتت تملأ الساحة اللبنانية في أكثر من
بقعة مع التركيز على بعض المناطق بحكم وجود بعض البيئ الحاضنة أو قربها من معابر
فرارهم من سورية كعرسال مثلاً.
لكن ما لا يجب
تسليط الضوء عليه هو أن الأطراف اللبنانية صاحبة "الشرط" الإقليمي
المستحيل لا تدرك على الأرجح إذا أحسنّا الظن، أو تدرك إذا أسأناه، أن الذهاب بهذا
الإتجاه خاصة بتغطية أفعال تلك الجماعات من شركائها في ضرب المؤسسة العسكرية
اللبنانية وجعلها هدفاً سهلاً أمامها يعني أن قراراً واضحاً يُمرّر لهدم الدولة من
أساسها إلى درجة أنه لن يبقى شيئ يؤسف عليه أو حتى يعاد ترميمه لا على المستوى
السياسي كـ"اتفاق الطائف" الذي تعتبر مملكتهم أنه ملكها وهي حرة التصرف
به، أو على المستوى الإقتصادي والإجتماعي الذي بُني منذ ما بعد الطائف وحتى اللحظة
وهو ما دفع اللبنانيون ثمنه الكثير وما زالوا.
ما دعا اليه السيد
في خطابه مكرراً هو الشروع بتشكيل حكومة جامعة على قاعدة 9-9-6 يصب في إعادة لملمة
الدولة التي يمعنون في ضربها وتحطيمها وليس من اجل تغطية تدخل حزب الله في سورية
وإعطائه مشروعية كما يدعون، إذ أن تلك المشروعية فرضت نفسها بحكم تطور الحوادث
التي تجري والإتجاهات التي سلكتها بعد ظهور عوامل التكفير وممارسات الذبح والقتل
ونشوء "الإمارات" المختلفة التي تغذيها المملكة وهي لا تملك في واقع
الحال أية فكرة عن كيفية لملمتها سوى دفعها الى القتال لتُقتل وتستريح من شرورها
بعدما تكون قد حاولت تحقيق أهدافها من خلالها. كما أن المشروعية التي حصلت عليها
مشاركة حزب الله في القتال في سورية كانت جلية من خلال الرفض الدولي لتلك
الممارسات والتي عبرت حكومات عديدة عن قلقها منها وهي لا تملك أفكاراً لدرء خطرها
عنها في المستقبل. في حين أنه يجب تخيل الوضع الذي من الممكن أن يكون عليه لبنان
العاجز عن كل شيئ لو لم يذهب حزب الله للقتال في سورية لترتسم الأسئلة حول كيفية
كف يد تلك الجماعات عن النيل من لبنان وسط موجة نزوح هائلة بلغ تعدادها بحدود المليوني
لاجئ سوري حتى الآن.
الجهات التي تدخلت
مقاتِلة ومسلِحة وداعِمة للجماعات المسلحة ضمن الخطة السعودية في سورية بداية ورُفع
لها شعارات "الحليب والأغطية وستر أعراض النساء السوريات" ما كانت
لتمتنع عن فتح كل الأراضي اللبنانية أمام المسلحين التكفيريين وهو ما سعت إليه منذ
اندلاع المعارك في سورية عبر الحدود الشرقية للبنان والكل يتذكر الصيغ التي طرحت
حول "الممرات الآمنة" و"المناطق العازلة" وصولاً الى منطقة
"حظر جوي"، إلا أن ذلك أحبطته مواقف حزب الله وإجراءاته الأمنية
والعسكرية وما مارسه من ضغوطات على حكومة نجيب ميقاتي قبل أن تنتقل الى تصريف
الأعمال.
ما يسبق موعد
مؤتمر "جنيف 2" في 22 كانون الثاني "مشهد مظلم" بحسب المعطيات
التي تقول إن بندر سيُفعّل خطته على الجبهتين السورية واللبنانية لتحسين شروط
فريقه السياسي على طاولة التفاوض التي يُعتقد أنها قد "تطير" أيضاً إذا
لم تتوفر ظروف انعقادها "ميدانياً" وهو ما يدأب الطرفان على تحقيقه خاصة
وأن مقدمات التوافق الدولي على معظم ملفات المنطقة لم تتبلور بعد بالرغم من أنها
قطعت شوطاً لا بأس به في بعضها. فما يقي لبنان العواصف المقبلة هو توافق على
"تدعيم الدولة" عبر إعادة انتاج مؤسساتها الدستورية بعيداً عن
"التعنت" الفارغ في حين أن هناك من يقدر على كسره.
تعليقات