التمديد.. سقوط النظام السياسي
التمديد.. سقوط النظام السياسي
ومقدمات التغيير
"اللازم"
البناء 3 حزيران 2013
محمد شمس الدين
رب ضارة نافعة!.
هذا ما يمكن أن يوصف به التمديد للمجلس النيابي اللبناني لـ 17 شهراً،.. لم يتقدم
أي من المعنيين لشرح سبب اختيارهم لهذا العدد من الأشهر أو لماذا لم يكن 18 مثلاً
أو 16 أو حتى ولاية مجلسية كاملة على اعتبار أن أفق الأزمة غير واضح وليس بالضرورة
بمكان أن تزال الأسباب التي فرضت هذه الخطوة خلال الفترة التي تم تحديديها ليعاد
إجراء الإنتخابات في ظل ظروف أفضل، كما ليس بالضرورة ايضاً أن تكون هذه المهلة
كافية لاتفاق اللبنانيين على قانون جديد لم يفلحوا في وضعه على الأقل على مدى
الأعوام الأربعة المنصرمة.
أسقط التمديد
الأخير للبرلمان النظام السياسي برمته في لبنان، لكن ربما يفتح ذلك الباب واسعاً
على إعادة النظر بهذا بالنظام بشكل كامل من أجل تغيير الأسس والقوانين المرعية
التي يقوم عليها التمثيل في المجلس النيابي والتي تعتبر المفتاح الحقيقي لإعادة
انتاج البلد وفق قواعد المواطنة من دون تمييز أو إلغاء. وهذا السقوط المدوي دليل
على فشل ما اتفق على تسميته بـ"اتفاق الطائف" قبل أن يطلق عليه اسم
وثيقة الوفاق الوطني التي انتجها نواب ذلك الزمن وبعضهم ما زال شاهداً على ذلك،
فبين من يقول بأن العلة الأساسية تكمن في هذه الوثيقة ومن يعتقد بانها لم تطبق لا
بالكامل ولا بشكل جزئي الى من يقول بأنها طبقت بشكل خاطئ يصبح الإستنتاج مشروعاً
بأن اتفاق الطائف غير صالح ليكون الأساس في صياغة الدولة في لبنان قبل ولوج بحثه
من الناحيتين القانونية والدستورية.
خارج إطار هاتين
النقطتين (القانون والدستور) لا بد من الوقوف على الظروف التي نشأ فيها
"الطائف" على الصعيد المحلي كما على الصعيد الإقليمي والدولي والإعتراف
بأن ما كان موجوداً وتم البناء عليه في حينه لم يصمد ولو لفترة قصيرة، فقد ظهر قبل
الأزمات الحالية أن الإتفاق لم يستطع تأمين الحد الأدنى من التوافق على مصلحة
واحدة للبلد منذ "امتطاه" الرئيس رفيق الحريري عام 1990 إذ سرعان ما
ادخل البلد بقوة المال والسلطة الى البازارات الكبيرة والصغيرة وهو ما شكل أول إشارة
على عدم صلاحية هذا النموذج الذي يستطيع لبس كافة القوالب المتوفرة بحيث يضرب
القانون الذي يجب أن يصار الى ممارسة الحكم بقوته.
تبدأ الحكاية من
اللحظة الأولى الذي شكلت فيها أولى حكومات الطائف التي ما لبثت أن اصطدمت باشكالية
الدولة، والمقاومة التي كان عليها أن تقاتل ببندقيتها العدو الإسرائيلي من أمامها
على أن تضع الدروع الواقية على ظهرها وليس على صدرها لتقي نفسها شرور الطعن من
الخلف، ومع ذلك فإنها لم تنج من عمليات القتل المنظمة ومع سبق الإصرار والترصد
التي لم تفتأ يخطط لها من الداخل والخارج وصولاً الى الإعلان المباشر عن اعتبارها
العدو وتحميلها مسؤولية كل خراب لبنان السياسي والأمني والإقتصادي بشكل تماهى أو
ربما تخطى ما تريده إسرائيل نفسها.. هذا ما كشفت عنه حكومة سعد الحريري التي أسقطت
في مطلع العام 2011 لممارستها "المحرمات" تجاه المقاومة أولاً وتجاه
سوريا ثانياً بعد أن اعتبر الحريري أن فشله بالوقوف بوجه المقاومة يمكن الإلتفاف
عليه من خلال تبني سياسة معادية لسورية التي كانت رياح الأزمة بدأت تهب عليها،
وتبني ما كان يعرفه عن نوايا وسياسة الغرب وبعض العرب في إطار مشروع ما سمي
بـ"الربيع العربي"، والمدى الذي ستبلغه الأمور في هذا البلد. وهنا لا بد
من التساؤل حول ما كان يمكن أن يحصل داخلياً وخارجياً لا سيما على المستوى السوري
فيما لو كان الحريري بتوجهاته المعادية الواضحة بقي في رئاسة الحكومة؟.. ليأتي
الجواب على السؤال حول صوابية قرار إسقاطه منها ودقة المعلومات التي توفرت في حينه
عن المخطط الرامي لإسقاط سورية في دورة مشروع "تغيير الأنظمة".
المدة الزمنية
التي اقرها المجلس النيابي للتمديد لنفسه، راعت بشكل أولى الظروف الإقليمة المحيطة
وفي مقدمتها الوضع في سورية والموعد المرتقب للإنتخابات الرئاسية السورية في
حزيران 2014، وما يمكن أن ينتج عنها على ضوء التطورات الميدانية والإنقلاب الحاصل
في الموازين العسكرية على أرض المعركة في هذا البلد، ولاتضاح صورة التسوية الممكنة
في حال أعيد انتخاب الرئيس بشار الأسد أو عدمه. إنما من المؤكد أن التسوية التي
يمكن الحديث عنها في أي ظرف من الظروف، يجب أن تراعي المتغيرات التي حصلت منذ
العام 2000 تاريخ اندحار العدو الإسرائيلي عن جنوب لبنان، وهو الأمر الذي تم
تجاهله بداية، ثم أعيد تجاهل هزيمة هذا العدو في الحرب "العالمية" على
المقاومة عام 2006 ومحاولة الإلتفاف على مفاعيل الإنتصار الذي حققته لعدم الإقرار
به والتعاطي مع نتائجه سياسياً في المعادلتين الداخلية والخارجية، ما يفرض تغييرا
جذرياً في النظام السياسي، الأمر الذي حاول حزب الله تجاوزه في تلك المرحلة لأسباب
عدة أهمها قراره بالحفاظ على السلم الأهلي وعدم تعريض البلاد لخضة جديدة تعيد اليه
الأيام والليالي السوداء التي عاشها على مدى 15 عاماً من الإحتراب وأدى الى اتفاق
"صوري" لم يتخط قياسه عتبة "تقاسم الجبنة" التي أرستها سياسة "المقاولة"
لا الحكم والإدارة.
ومهما كانت
النتائج المتوخاة من أية تسوية قد تفرزها الهجمة الدولية على سورية، فإنها لن
تتمكن من تجاهل الإنجازات التي تحققت في لبنان من خلال مقاومته والموقع الذي حجزته
لنفسها في المعادلة الدولية والإقليمية، ما يفرض أيضاً تغييراً جذرياً في النظام
السياسي اللبناني الذي لا يستطيع بتكوينه الحالي أن يستوعب هذا الدور الجديد
للبنان.
حسنأ فعل المجلس
النيابي بالتمديد من أجل التغيير الكامل في الشكل والمضمون الذي سيحتم على لبنان
دخول مرحلته في الـ 17 شهراً المقبلة.
تعليقات