الجولان وتهديد الكيان
الجولان
وتهديد الكيان
البناء 13
حزيران 2013
محمد شمس الدين
كان لافتاً «الاستنفار
الإسرائيلي» السياسي والدبلوماسي الذي جرى في اليومين الماضيين على خلفية ما هو متوقّع
من فتح جبهة الجولان المحتلة بعد إقفال استمرّ لعقود طويلة استطاعت خلالها الدولة العبرية
أن تبني مشاريعها لأجيال مقبلة عديدة. ما يشير إلى أن الخوف «الإسرائيلي» الذي عادة
ما يُبنى على أسس واقعيّة ومتينة قد بدأ يشقّ طريقه الى قلوب المؤسسة السياسية وبطبيعة
الحال فإن هذا الخوف سينسحب على الشرائح والقطاعات كافة في الدولة وخارجها عبر المصالح
التي تربط هذه المنطقة بالعالم.
تربّع موضوع الجولان
في صدارة الاهتمامات الإعلامية منذ فترة وجيزة وما زالت المؤسسات المرئية والمسموعة
والمقروءة تتابع عن كثب كل التصريحات حول ذلك إضافة الى إجراء تحليلات وقراءات معمّقة
لما يمكن أن تتجه اليه الأمور في حال فُتحت تلك الجبهة والمدى الذي ستبلغه خصوصاً أن
منطقة الحدث تشكّل بُعداً استراتيجياً ليس على المستوى العسكري فقط وإنما على المستوى
الاقتصادي أيضاً حيث تعتمد «إسرائيل» عليها في واردات سياحيّة هائلة ناهيك عن الاستثمارات
الزراعية المقامة فيها.
ما رفع من منسوب
الاهتمام «الإسرائيلي» هو ما نُقِل عن الرئيس بشار الأسد من أن قرار فتح جبهة الجولان
قد اتخذ لكن ما أقلق المسؤولين «الاسرائيليين» هو ما ذهب اليه الرئيس الأسد بالحديث
عن استراتيجيته التي سيتبعها في التعاطي مع مسألة الاحتلال وإعلانه أن المقاومة هي
السبيل الوحيد الذي سيواجه به «اسرائيل» محدّداً أنها ستعتمد الأسلوب الذي اتبعته المقاومة
في لبنان بقيادة حزب الله في الأدائين السياسي والعسكري حتى تحرير الهضبة من محتليها.
لم تكن «إسرائيل»
حتى حين كلام الرئيس الأسد تعتقد بأن المسألة قد تصل الى هذا الحد بالرغم ممّا أعلنه
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 25 ايار الماضي في عيد المقاومة والتحرير
فالمصادر الدبلوماسية المتابعة قالت «إنّ تل أبيب بقيت على تحفّظها حيال استعداد سورية
لخوض هذا المخاض حتى اللحظة الأخيرة لأنه في الوقت الذي تكلم فيه السيد نصرالله لم
يكن أفق معركة القصير قد اتضح في حين أن الاستخبارت «الإسرائيلية» لم تستطع توفير التقارير
اللازمة للمؤسسة السياسية حول الوضع في تلك المنطقة التي شهدت معارك ضارية وبقيت تستند
إلى التقارير التي وفرتها لها مصادر المعارضة المسلحة السورية والأخرى التركية التي
استندت بدورها الى المصدر نفسه ومضمونه انعكس بشكل واضح عبر وسائل الإعلام وما حاولت
تلك المعارضة بثّه من تصريحات حماسية عن وصول إمدادات وتعزيزات مع النفي بأن القصير
وأريافها سقطت أو ستسقط بشكل ليس فقط لا يتصل بالواقع بل كان مترافقاً مع الصراخ لطلب
العون سراً.
لقد عبّرت الحكومة
«الإسرائيلية» عن ارباكها بوضوح وقد أرسلت رسائل شديدة اللهجة تصل الى حد إعلان الحرب
من خلال التهديدات التي اطلقتها مجتمعة وبالانفراد عبر وزراء في الحكومة الأمنية المصغرة
والاستخبارات لكن ذلك لن يغيّر من طبيعة الأداء السوري باتجاه الجولان وهو ما تدركه
الدولة العبرية التي تدرس خيارات المواجهة الحتمية جيداً لتختار بين حرب واسعة وخاطفة
لم تستطع حتى الآن معرفة مداها وكيف يمكن أن تنتهي وسط مطالبة رئيس حكومة العدو «بتزويد
جميع «الاسرائيليين» بالاقنعة الواقية طالما ان المنطقة دخلت عهد الصواريخ» وفي ذلك
إشارة الى حجم القلق «الإسرائيلي» من المنظومات الصاروخية التي تمتلكها وستمتلكها سورية
إضافة الى «مشكلة» الصواريخ التي يمتلكها حلفاء سورية القريبين أو البعيدين أو القبول
بمنطق المقاومة وما تعنيه من حرب استنزاف طويلة ستكون نتائجها حتمية في غير مصلحتها
بناء على تجربتها في لبنان على مدى أكثر من 20 عاماً.
فقدت «إسرائيل» الى
غير رجعة اتفاقية «فك الاشتباك» في الجولان والتي وقعتها مع سورية في 1974 في جنيف
في سويسرا عقب استمرار حرب الاستنزاف على تلك الجبهة لأشهر عدة بعد انتهاء حرب تشرين
التي خاضتها سورية ومصر ضد «إسرائيل» عام 1973 وبعد وقف القتال على الجبهة المصرية
ما خلق منطقة عازلة كثر الحديث عنها أخيراً. وهنا لا بد من الإشارة الى أن اتفاقية
فكّ الاشتباك قامت على أساس أن «إسرائيل» وسورية «ستراعيان بدقة وقف إطلاق النار في
البر والبحر والجو وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة تنفيذاً
لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 338 المؤرخ في 22 تشرين الاول 1973».
لقد اخترقت الدولة
العبرية هذه الاتفاقية أكثر من مرة كان آخرها الاعتداء الذي نفذته طائراتها الحربية
على مواقع قرب العاصمة دمشق في الأسبوع الأول من أيار الماضي وذلك في ظرف حساس جداً
تمرّ به سورية التي استطاعت الصمود أمام حرب دولية فرضت عليها في الداخل الأمر الذي
لن يستطيع أحد حصره داخل حدودها وهو بالتحديد ما قرّره الرئيس بشار الأسد الذي استعاد
زمام المبادرة في كل الاتجاهات.
تعليقات