الفجر في القصير


الفجر في القصير
البناء 10 حزيران 2013
محمد شمس الدين

كانت ساعة الصفر في القصير عند الفجر، عندما صبت الراجمات صواريخها على المدينة بشكل هائل. بلحظة واحدة انطلقت مئات الصواريخ وبدقائق معدودة تجاوزت الألف. لم يكن أمام المتحصنين في قلب المدينة التي استغرق حصارها اياماً إلا القرار بالفرار. لمس هؤلاء أن الأمور ليست سهلة كما كانوا يعتقدون وعرفوا حينها أن المعركة قد حسمت لمصلحة خصمهم.
الكتلة النارية الهائلة التي قذفت على مدينة القصير كانت بفعل قرار عسكري حمل روح الجيش السوري ووضوح رؤيته تجاه بلده، بعد سلسلة من أعمال الكر والفر على مدى سنتين ونيف.

"لم يعد الإنتظار جائزاً، إنها اللحظة الحاسمة سياسياً وعسكرياً.. ولسنا على استعداد للدخول في حرب استنزاف يسعى إليها العدو داخل المدينة وخارجها وخارج حدود البلاد.. كما لا يجب ذلك". هذا ما قاله القيادي في حزب الله الشريك في المعارك.. فوضعت الخطط وتم التنفيذ.
"لم يكن عماد مغنية غائباً عن تلك المعركة التي ستغيّر حكماً مسارات الأمور، كما كانت كل المعارك التي خاضها الرجل في حياته".. وهذا ما يؤكده القيادي نفسه أيضاً، والذي أردف أن "التخطيط الواعي والمحكم ثم أسلوب التنفيذ المرتكز الى ثلاثة عوامل، الدقة والقوة والجرأة.. هذا ما كان عليه الحاج رضوان" الذي ترك من سنخه الآلاف، على ما قال إمام المقاومة وقائدها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

ما كان قائماً على الأرض في تلك الساعات لم تكن القيادتان في بيروت ودمشق بعيدتين عنه، بل على ما تقول بعض المعلومات فإن أحدها كان في قلب القصير وفي قلب المعركة يعطي التوجيهات ويشارك في وضع التكتيكات ويشرف على كل صغيرة وكبيرة، إنها رسالة الحسم الى العالم بأسره ونهاية المرحلة الأولى التي ستتبعها مراحل أخرى بشكل متدرج الى حين الوصول الى النتائج المتوخاة بتحقيق الوعد بالنصر دائماً ومجدداً.
شكلت معركة القصير وأريافها نهاية المرحلة الأولى، والتي ستتيح بشكل فعلي مساحة لالتقاط الأنفاس وانتظار بلورة النتائج السياسية وتحديد اتجاه الخطوة المقبلة، في حين تقول مصادر سياسية إن ما صدر من مواقف دولية وإقليمية حتى الآن ليس سيئاً وهو يوحي بأن الأطراف الراعية للجماعات المسلحة قد فهمت مضمون الرسالة وأن الباب مفتوح أمامها لتغيير مواقفها والشروع بتغيير اتجاه البوصلة درءً للسقوط المدوي الذي لن يطول حتى يسمع وقعه، وساعتئذٍ لا يمكن تحصيل ما يمكن الحصول عليه اليوم، علماً أن التسويات التي يجري الحديث عنها ليس لها اساس من الصحة لأن الأمور لن تعالج بالتسويات بمعنى أن لا شيئ سيقدم من قبل محور الممانعة في مقابل التراجع والإنسحاب.

ما روج عن محادثات أميركية – سورية في السر ليس دقيقاً على الإطلاق ولا يحمل أية صفة، لا رسمية ولا شبه رسمية، لأن القيادة السورية وحلفاءها يعتبرون أن أية تسوية من هذا القبيل هي خيانة لدم الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن سوريا ولبنان وفلسطين، كما أن الجيش السوري وحلفاءه ليسوا مرتزقة ومأجورين للقضاء على الجماعات المتطرفة لمصلحة السياسات الدولية، ولا هم جاهزون لدفع مثل هذا الثمن مقابل الكف عنهم. إن القتال في سورية له أسبابه وظروفه وعقيدته بالنسبة لهؤلاء الذين أطلوا مع عماد مغنية مرة أخرى على فلسطين وقضيتها من خلال اتساع مدى رؤية العين وطول اليد عبر "الجولان الطيب" الذي سيشهد على هزيمة أخرى مدوية للإحتلال الإسرائيلي وتالياً على وجود الكيان الغاصب من أساسه.
ساعات الفجر في القصير وضعت أمام السياسات الدولية خريطة طريق للخروج من الأزمة بدبلوماسية مع عدم السماح بتقويض الإنتصار والعمل بكل مفاعليه مع مفعول رجعي منذ العام 2000.

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار