الأسير.. خطآن ونهاية

الأسير.. خطآن ونهاية
البناء 27 حزيران 2013
محمد شمس الدين

إنه ليل الجمعة 21 حزيران حين عقد الشيخ أحمد الأسير اجتماعاً لمعاونيه بعد تلقيه تعليمات مباشرة من مشغليه العرب الذين شرحوا بإسهاب ما المطلوب تنفيذه في غير منطقة لبنانية بهدف إشغال حزب الله في لبنان والضغط لإبعاده عن التدخل في سورية. قال هؤلاء إن العمليات العسكرية ستتصاعد في محيط دمشق وداخلها بهدف الانقضاض على مؤسسات الدولة المركزية وبضربة واحدة. بعدما تمت تهيئة آلاف المقاتلين إثر الإعلان الدولي عن التسليح ومدّ الجماعات المسلحة بما هو لازم لذلك.
كانت استجابة الأسير فوريّة وقد بادر الى طلب ما يحتاجه للسيطرة على مدينة صيدا من حيث العدّة والعتاد بعدما كان جنّد العديد من المقاتلين في صفوفه إثر تلقيه مالاً وفيراً لهذه الغاية. طرح الشيخ غير المصادق على مشيخته رسمياً خطته التي تقوم على مبدأ السيطرة على المدينة ومحيطها وتنظيفها من المجموعات الأخرى التي تساند حزب الله التي كانت ـ في نظره ـ قوى لا تستحقّ الذكر تقليدية ضعيفة وغير قادرة على الوقوف في وجهه كما أن الجيش اللبناني مسقط في يده ولا يستطيع أيضاً الدخول في معركة خوفاً على وحدته. كان المطلوب في البداية توجيه صفعة للجيش بهدف لجمه عن التدخل وإفهامه أن المعركة أكبر من قدرته على خوضها أو منعها. كان المطلوب إحراج حزب الله وحركة امل لاستدراجهما الى معركة الدفاع عن الشريان الحيوي الذي يربط الجنوب بالعاصمة بيروت وهو خط الإمداد الرئيسي للمقاومة كما أنه يشكل عنق الزجاجة بالنسبة لكل مصالح الجنوبيين في شتى الميادين.
كان الأسير ومن خطط معه يعرفون أن حزب الله لن يتوانى عن التدخل وخوض المعركة في صيدا لمنع إقامة هذا الحاجز أمامه. كما أن هؤلاء يعلمون أن دخول الحزب على خطّ المعارك في صيدا من شأنه أن يورطه في المشكلة المتوخاة وهي الفتنة المذهبية التي ستشحذ همم من لا همّة له «سنياً» وهو ما حاول البعض استثماره بعد انتهاء عملية الجيش الذي قضى على الفتنة وأسيرها.
تمّ التركيز على صيدا نتيجة ما ادّعاه الأسير من قدرة على تنفيذ ما هو مخطط له كما أنه يقبع في منطقة حساسة لم تتوفر لغيره من قيادات الجماعات المماثلة لا في طرابلس ولا في بيروت ولا في غيرها فالمناطق على تداخلها لا تشكل العمق الاستراتيجي الذي يخاف حزب الله فقدانه او تركه لغيره كما أن المناطق الأخرى التي تضم اكثرية من مذهب آخر أو طائفة اخرى كالبقاع أو الشمال لا يمكن إعارتها الدرجة نفسها من الاهتمام كصيدا بوابة المقاومة التي يحرص حزب الله على عدم خسارتها بأيّ ثمن مهما بلغ.
كانت الصورة أمام الأسير ومشغّليه واضحة جداً. إنها نقطة الجذب الكبرى نحو توريط حزب الله في قضية طالما نأى بنفسه عنها ونجح في تجنبها في أحلك الأوقات والظروف في حين أن الرهان لم يسقط من الحسابات أن الحزب سيحاول أن يتجنب المعركة للاعتبارات المذهبية وبذلك تنجح العملية وينجح التمدد ويسهل تنفيذ الخطة التي تمكن الجماعات السلفية المتشددة من الإحكام بعنق الزجاجة.
لكن الخطأ وقع عندما اختار الأسير الجيش ليفتح معركته. لقد استهدف الآلية العسكرية وقتل ضباطاً وجنوداً مراهناً على أنها لن تتجاوز الصفعة التي سرعان ما ستتم لفلفتها كما حصل في غير موقع تم الاعتداء فيه على الجيش والمؤسسة العسكرية. تفاجأ الأسير بسرعة وردّ الجيش قبل أن تبدأ الاتصالات فكان الخطأ الثاني الفادح.. دعا الأسير الى ما لا يمكن مؤازرته به لقد ألكم كل من كان على استعداد للوقوف معه حجراً في فمه داخلياً وخارجياً عندما اتهم الجيش بأنه إيراني وشيعي مناشداً السنّة فيه بالانشقاق. وقع الشيخ ومن معه ومن يقف وراءه ومن يراهن عليه بالمحظور. فقد غاب عن باله أن الجيش لم ينقسم حتى عندما انقسم في ثمانينيات القرن الماضي وأنه الضامن الوحيد لبقاء لبنان ككيان بين الكيانات المنتشرة على بقاع المنطقة.
لم يفهم الأسير أن الجيش والدولة ومؤسساتها تشكل بالنسبة لجميع الأطراف المتصارعة في لبنان خط الرجعة وهذا الامر سيان عند من يريد الدولة ويراهن عليها كما عند الذين يعمدون الى تدميرها فدائماً يكون الهرب باتجاهها ساعة الشدة.
مشغّلو الأسير الذين زاروه في عبرا بسيارات دبلوماسية تقل أمنيين عرباً كانوا ينتظرون ساعة الصفر الذي ترك تحديدها «الشيخ» لنفسه لكنه لم يستطع الانتظار طويلاً بعدما أغدق اتفاق المؤامرة عليه السلاح المتنوع بما فيها القناصات التي ادعى بانه قادر بعدد منها السيطرة على المدينة وتقطيع أوصالها.

هل سيثني فشل الاسير في صيدا اصحاب الخطة عن إكمال خطوتهم في سورية أو سيؤخرها فالقرارات الدولية بتسليح المعارضة والدفع بمقاتلين الى ساحة الحرب هناك ربما تحقق جزئياً أمام ضغط بعض الجماعات المقاتلة من «جيش حر» وغيره لكن هذه الاخيرة ما زالت تشتكي من قلة ما يصلها غير أن تلك الدول على الرغم من صوتها العالي على هذا الصعيد إلا أنها تحسب خطوتها بدقة في حين أن ما حققه الجيش السوري وحلفاؤه على الأرض ليس بمقدور أحد التنازل عنه أو التفريط به.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار