طرابلس.. مشروع «توازن» السلاح
طرابلس.. مشروع «توازن» السلاح
البناء 21 كانون الثاني 2013
محمد شمس الدين
جنّب الله مرة أخرى مدينة طرابلس، السقوط في بحر الفتنة الدموية، وجنب آل كرامي
مصيبة كادت تقع الجمعة بعدما تعرّض مسلحون لموكب الوزير فيصل كرامي، الذي كان أمام
فوهة النار بشكل مباشر وفي دائرة الموت، من خلال الاعتداء على سياراته التي استُهدفت
استهدافاً قاتلاً، أو من خلال توجيه أحد المسلّحين السلاح إلى رأسه مهدّداً.
وقائع الحادثة تشير إلى أنّ المدينة الفالتة إلّا من بعض «عقّالها»، باتت تشكّل
خطراً كبيراً على الأمن في لبنان بأكمله، نتيجة الانتشار الكثيف للسلاح الذي يأتي من
مصدرين:
الأول، سورية التي تلفظ «قاذوراتها» من المسلحين الذين يفرّون من المواجهات
مع قوات الجيش السوري ويعودون من حيث أتوا، أي إلى شمال لبنان الذي أراد بعض أهله وقادتهم
أن يحولوه إلى قاعدة اشتباك متقدّمة في الحرب الدائرة في البلد الجار، وذلك كجزء من
الحملة الدولية عليه.
والثاني، بعض التيارات اللبنانية المتحالفة مع السلفيين المتشدّدين والراعية
لنشاطهم ليس في الشمال وحده، بل على طول البلاد وعرضها، حيث تمتلك الأجهزة الأمنية
المعنية معلومات كاملة عن نشاط تلك الجماعات داخل العاصمة وجنوباً وشرقاً، ومحاولات
تمدّدها إلى أكبر مساحة ممكنة على الأراضي اللبنانية، مستفيدة من حجم النزوح السوري
إلى لبنان وانتشاره في مختلف المناطق.
ما جرى من اعتداء على موكب كرامي في طرابلس، إنما يندرج في إطار محاولات ترويع
المدينة وأهلها المناوئين للمشروع الذي يقوده حزب المستقبل بدعم كامل من القوات اللبنانية
الداعية إلى حكم الإخوان، وذلك لأن المحاولات لم تهدأ منذ اندلاع الحوادث في سورية
لإعادة رسم خارطة لبنان الشمالي على قاعدة تفتيته مذهبياً وسياسياً عبر اغتيالات جماعية
كتلك التي جرت محاولة تنفيذها في جبل محسن، إذ أكّدت المعلومات التي أشار إليها بعض
المسؤولين اللبنانيين علناً، أن المقصود من فتح النار على «الجبل» ومحاصرته، هو تدميره
وتهجير سكانه اللبنانيين من الطائفة العلوية، كمقدّمة لإعلان المنطقة هناك «إمارة إسلامية»
على غرار تلك التي يحاولون إقامتها في مناطق سورية التي تقع تحت سيطرتهم في الشمال
السوري.
هذا المشروع الذي يرعاه التحالف الغربي- الدولي سقط نتيجة وقوف أهالي الشمال
وطرابلس تحديداً في وجهه على المستوى اللبناني من جهة، وصمود الجيش السوري أمام الغزوات
المسلّحة المدعومة عربياً ودولياً بوجه تركي، وقدرته على ضربهم بلا هوادة على المستوى
السوري من جهة ثانية.
إذن، الأزمتان مرتبطتان بشكل وثيق، ما يُبقي الصراع على لبنان مفتوحاً على مصراعيه
من أجل تطويعه ضد الدولة في سورية أو معها، وكذلك ضد كل القضايا التي تمثلها وحلفاؤها
أو معها، لكن يبدو أن هذا الصراع ما زال حتى الآن «مضبوطاً» على إيقاع خفيف حسبما يريده
«اللاعبون»، بانتظار ما ستؤشّر إليه الحرب في سورية، بعدما تعذّر على التحالف الغربي
– العربي حسمها منذ أكثر من شهرين بعد قراره بنقل معركته إلى العاصمة دمشق وأريافها،
وما سمي بـ»معركة المطارات» للسيطرة على مواقع استراتيجية ضمن خطة عسكرية قادها «التحالف»
لكشف الدولة في سورية وإسقاطها بـ»ضربات قاضية» متتالية.
ما جرى ويجري في طرابلس وآخره الحادثة التي نجا منها الوزير كرامي، لا ينفصل
عن جوهر الأزمة التي أفرزت هذا الكم الكبير من السلاح والمسلحين، ما بات يشكّل «معضلة»
على حدّ تعبير وزير الداخلية اللبنانية مروان شربل، الذي قال ذلك انطلاقاً من موقعه
وقناعته بعجز الدولة بأجهزتها كافة عن معالجة هذا الوضع الذي بات بدروه يهدّد لبنان،
في حين تنبري قوى من قيادات «14 آذار» وبدعم من التحالف الغربي–العربي، إلى تغذية هذا
الوضع بضرورة تحقيق مقولة «توازن السلاح» في الداخل اللبناني بالرغم من اختلاف الأهداف
وقواعد التنظيم والاشتباك، إذ إنّ «العقل» الذي سعى إلى ذلك لا يهتم إلى ما يمكن أن
يؤدّي إليه ذلك من اقتتال وتناحر، فهو يريد محاربة قوّة استراتيجية أعدّت نفسها لقتال
«إسرائيل»، بالفوضى المسلحة التي من شأنها أن تلتهم صاحبها ومن أنشأها عند وقوع الكارثة،
وهذا ما حصل في غير مكان من العالم ليس آخره ما يحدث في ليبيا وتونس، وما يحدث في مصر،
وما يمكن أن يحدث في شرق أفريقيا، ناهيك عمّا يحصل في غربها.
لا يمكن غضّ النظر عن الأسلوب المتّبع من قبل الدولة في معالجة التوترات لاسيما
في الشمال، إذ أن الأمن لا يمكن أن يُفرض بـ»التراضي»، فيما الضرب بيد من حديد قد يكون
مكلفاً، وهو على ما يبدو أن المسؤولين يتخوّفون منه ويحاولون تجنّبه، في وقت لم ينس
الجيش بعد ما قدمه في معركة نهر البارد، التي لم يكن له خيار فيها سوى الحسم، وهو ما
يحتاجه البلد في هذه المرحلة التي تحوّل فيها الشمال إلى «بارد» كبير، لا يمكن حسم
أمره إلا بقرار سياسي واضح، على أن يبدأ من كشف ملابسات حادثة كرامي وإحالتها على القضاء
المختص واتخاذ قرارات رادعة بحق مرتكبيها بعيداً عن المحسوبيات وسياسة «النأي بالنفس»،
وهذا أضعف الإيمان.
تعليقات