الأسد: قوّة التسوية


الأسد: قوّة التسوية
البناء 10 كانون الثاني 2013
محمد شمس الدين

فاجأ الرئيس السوري بشار الأسد  خصومه في إطلالته الأخيرة. بدا الرجل متماسكاً وصلباً، مصمماً على إكمال حربه حتى النهاية مهما كانت كلفتها. هذا في الحقيقة ما سعى هؤلاء الخصوم إلى التقصي حوله بالتحديد من المبعوث الدولي – العربي المشترك إلى سورية الأخضر الإبراهيمي خلال زيارته الشهر الماضي إلى دمشق ولقائه الأسد، لكنّ الجواب جاء مباشرة من قبل الرئيس السوري مخافة أن لا يكون الإبراهيمي قد فهم الأمور على حقيقتها، خصوصاً أن تصريحات الأخير التي تلت الزيارة تضمّنت سقفاً عالياً من الدبلوماسية غير المفهومة وغير المطابقة للواقع.
أرسل الأسد رسالته إلى المجتمع الدولي الذي يحاربه كرئيس لدولة يعرف مقامها بين الدول وفي الصراع الذي خاضته ضد «إسرائيل» على مدى أكثر من ستة عقود، وأراد التحالف الغربي – العربي أن يخوضه نيابة عن الدولة العبرية بعدما ثبت عجزها عن إكمال المواجهة، فكانت الحرب على سورية، ذلك أن الرئيس السوري قد ركّز في كلمته على «دولية» الحرب التي يواجهها واثقاً من أنه قادر عليها. ودحض الأسد بإطلالته كل المزاعم حول قرب سقوطه التي كان يسوقها الإعلام الغربي والعربي فقط من أجل بثّ المعنويات لدى المجموعات المسلحة التي تلقّت ضربات عنيفة في الآونة الأخيرة بعدما قرّرت نقل معركتها الى دمشق التي لم تطالها، والى أريافها التي جعلها الجيش السوري «مقابر جماعية» لهم بحسب ما أفادت مصادر متطابقة حول العدد الكبير من القتلى الذين سقطوا في المناطق المحيطة بالعاصمة السورية، لاسيما ما ظهر من بلدة داريا جنوباً، إضافة الى فشل معارك المطارات في دمشق نفسها وصولاً الى مطار تفتناز العسكري في حلب شمالاً، ليكشف المشهد عن ظهور الرئيس السوري علناً ومباشرة بين الناس وسط مدينته الكبرى، مؤكداً من خلال ذلك على الإمساك ليس بالوضع العسكري وحسب، وإنما بالوضع الأمني أيضاً.
يعِد مراقبون على مقربة مما يجري في سورية بأن يحمل الشهران المقبلان تطورات ميدانية تعيد خلط الأوراق من جديد، وتفقد التحالف الغربي – العربي الذي يراهن على كسب مسلحيه للحرب كل أمل في ذلك، ما سيضع الأمور على جادة «تسوية» حقيقية رسم معالمها الأسد في خطابه، مؤكدين على أن ما وصف بأنه «مبادرة» من الرئيس السوري هو أقرب الى «خارطة طريق» .
فتح الرئيس السوري الباب على مصراعيه أمام ما يناقشه الغرب منذ عقدين على الأقل حول «الحرب على الإرهاب» من خلال تأكيده في خطابه على ما يواجهه في سورية، واضعاً مدعي ذلك أمام خيارات صعبة بين إكمال دعهم للجماعات المسلحة مختبئين خلف شعار «الثورة»، أو التحالف معه لوضع حدّ لتلك الظاهرة التي شُنّت غزوات تحت لافتتها العريضة، ليصبح من حق الرئيس السوري أن يقول بالفم الملآن، إن من حارب «الإرهاب» منذ عقود ويحاربه حالياً هو سورية وحلفاؤها، في حين أن العالم ليس جاداً في ذلك بل يعمد إلى استخدام «الإرهاب ليصفي» حساباته مع أخصامه. ولم يكن ما قاله الرئيس الأسد فقاعات، فقد أظهر في خطابه أنه انتقل من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم الذي لن يقف عند حدود الداخل، وإنما سينتقل الى الخارج على المستوى الأمني ليطال كل من حاول النيل من بلاده وساهم في تدميرها خدمة لأهداف شخصية وفئوية ومذهبية وطائفية وسياسية، منطلقاً من حقه بملاحقتهم واستهدافهم بالطريقة نفسها، ولعل هذا الأمر بالتحديد ما يقف عائقاً أمام قبول هؤلاء بأية «تسوية» ممكنة، ألمح  الرئيس الأسد الى أنه يوافق عليها فقط إذا ما كانت مع «الأسياد» وليس «عبيدهم» الذين انتدبوهم لمحاربته.
لم ينسَ الرئيس السوري التذكير بأنه وبلاده جزء من محور إقليمي - دولي في السياسة والاقتصاد والأمن، إضافة إلى الشؤون العسكرية، واثقاً من أنه يخوض الحرب عن ذلك المحور وباسمه، وليقول بأن دوله جاهزة للتدخل في الوقت المناسب إذا ما دعت الحاجة، كما أن مسؤوليتها واضحة تجاه التزاماتها إلا أنها غير ضرورية في هذه المرحلة. لقد شكر الأسد الحلفاء على ما قدموه من دعم مادي ومعنوي، ليؤكد على هذه الناحية، وليشير الى أن خياراته ما زالت مفتوحة وأن أفق الحرب ولو كانت طويلة افتراضاً، إلا أن نتائجها محسومة لصالحه.
المراقبون القريبون من الأزمة في سورية يقولون إن ردود الفعل الدولية التي وصفت خطاب الرئيس الأسد بأنه «غير واقعي»، أشارت إلى أن إجماعهم على هذه العبارة يدل على أن ما ورد في الخطاب بالشكل والمضمون، شكّل فعلاً صدمة قوية لقيادات تلك الدول، وبدت عاجزة حتى عن اختيار تعبيرات ومفردات تقارب الواقع، وأنها بانتظار «دخان التسوية الأبيض» الذي ينهي تخبطهم ويفكّ عنهم إحراج ما التزموا به علانية أمام من دفعوا بهم إلى القتل أولاً، وأمام شعوبهم ثانياً.
يعمل الرئيس السوري على تثبيت سقوف تسوية ظهرت ملامحها في خطابه الأخير من خلال خطوات عدّة أهمها تقديم الدليل على ما ورد في الخطاب «ميدانياً»، وهو ما قال المراقبون القريبون من الأزمة إن خطة تحقيقه جاهزة وقد بدأ بتنفيذها منذ مطلع العام الجاري.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار