«حرب» الانتخابات في لبنان


«حرب» الانتخابات في لبنان
البناء 14 كانون الثاني 2013
 محمد شمس الدين

لا يبدو حتى الآن، أنّ جسور «التوافق» على قانون الانتخاب الجديد قد امتدّت بين الأطراف في لبنان، ذلك أنّ اللجنة الفرعية المصغّرة المكلّفة بمتابعة البحث في قوانين الانتخاب، لم تتوصّل بشكل واضح الى قواسم مشتركة يمكن رؤيتها ضمن قانون يعكس تمثيلاً حقيقياً لكافة المكونات والشرائح في لبنان، في حين أنّ الإجماع المسيحي على ما يعرف بمشروع «القانون الأرثوذكسي» يبدو أيضاً «مفخّخاً» نتيجة عوامل عديدة أبرزها ما سيؤدّي إليه من فرط لعقد التحالفات القائمة سياسياً وما تعكسه من بُعد طائفي يعيد استحضار «الصيغة» (43) التي حكمت لبنان وصولاً الى حرب أهلية هزّت أسسه على مدى خمسة عشر عاماً.
ما «توافق» حوله المسيحيون في اجتماع بكركي برئاسة الكاردينال الماروني بشارة الراعي، للسير بالمشروع «الأرثوذكسي» تزامن مع حراك جرى وراء الكواليس لدراسة كيفيّة مواجهته في حال ذهب باتجاه إقراره، لأنّ الرهان كان لدى بعض المسيحيين من قوى» 14 آذار» قائماً على عدم موافقة الطرف الآخر في قوى 8 آذار أو حتى القوى التي تمثّل المسلمين من الجهتين، ولم يتأخّر في هذا السياق «حزب المستقبل» الذي يمثّل جانباً مهمّاً من المسلمين السنّة في لبنان في رفض المشروع، واعتباره يؤدّي الى تفتيت البلد وخلق دويلات طائفية متناحرة.
وتلفت مصادر سياسية، الى أنّ الرهانات على فشل الاتفاق بالتوصّل الى قانون للانتخابات شملت الحسابات المختلفة في النظرة الى الوضع القائم في سورية، وما تسبّبه أزمتها لعدم ظهور بوادر للحسم فيها من إرباكات لدى الطرف الذي اعتبر أنه لن يعود الى لبنان إلا من البوابة السورية، في حين أنه إذا لم يحصل ذلك، فإنه من المتعذّر أن تجري تلك «العودة» في وقت قريب لخوض غمار الانتخابات التي تعتبر مفصليّة هذه المَرّة في ظلّ الأوضاع والتغييرات التي طرأت على المنطقة بأسرها، وخاصة في سورية التي تعتبر اللاعب الأقوى في تلك الانتخابات في شتى الظروف، فهي بعد أن كانت عاملاً سياسياً مباشراً في صوغ أي قانون انتخابي لبناني، تراها اليوم تمارس من خلال أزمتها هذا الدور الذي يشير الى أن لا صوغ لمستقبل لبنان من دون أخذ التوجّه الذي تسير فيه سورية في الاعتبار.
تعرف الأطراف اللبنانية جميعها على ماذا تتصارع، ولو أنها تُخفي التوجّهات الأساسية والعميقة لصراعها الذي سيحكم بقوة سير الانتخابات المقبلة، وصولاً الى نتائجها التي ستوظّف حكماً لمصلحة الفريق الذي سيربحها، في ظل غياب كامل لأيّة صيغة توافقية كما كان يجري في السابق، إذ أن الأطراف هذه المرة ستخوض «حرب الانتخابات» كما خاضت حروبها الميدانية «الثقيلة» و»الخفيفة» على مدى السنوات السابقة، مستخدمة جميع أنواع «الأسلحة» التي تمتلكها وأهمها العاملين المالي والمذهبي – الطائفي. فهذه «الحرب» التي ستأخذ على الأرجح «بعداً دولياً» إذا لم يتم التوصّل الى قانون يرعى إجراء الإنتخابات، خاصة وأن الدول التي موّلت انتخابات 2009 للحصول على الأكثرية، تحاول اليوم حشد طاقتها لتكرار التجربة من أجل استعادة موقعها في السلطة بعد أن فقدته بانقلاب أحد أطرافها عليها ما أدّى الى تبدّل الأكثريات.
تعمل تلك الدول بالإضافة الى جمع المال اللازم لخوض الانتخابات والتي تتكفّل به المملكة العربية السعودية جرياً على عادتها، وقد انضمّت اليها دولة قطر، بعدما رفض مشروعهما المشترك في إطار التحالف الغربي – العربي الذي يحاول قيادة المنطقة الى المشروع «الأم» الشرق الأوسط الجديد، تعمل على إجراء مشاورات دولية لاستصدار توصية من مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة بضرورة إجراء الإنتخابات في لبنان ووضع هذه العملية في سياق إشراف دولي تفرضه ظروف «قاهرة»، ما يستدعي تدخّلاً مباشراً في ما يسمى «العملية السياسية» اللبنانية، وذلك كله على خلفية السيطرة على «الحديقة الخلفية» لسورية في ظل عدم قدرة تلك الدول على حسم الأمور لصالحها من خلال الحرب التي تشنّها على ذلك البلد ورئيسه بشار الأسد بعشرات الآلاف من المسلحين المنتمين الى تيارات الإسلام السياسي المتشدّدة.
تقول مصادر في قوى 8 آذار وعلى رأسها حزب الله، إنها تعمل بقوة على حصول الانتخابات مع توقّع تأجيلها لبضعة أشهر فقط ولمرة واحدة، لسببين: الأول داخلي يتعلّق بإعطاء الفرصة كاملة للإتفاق على مشروع قانون جديد يرضي بالحد الأدنى كافة الأطراف في لبنان، والثاني خارجي لا يتصل بقواها، بل بالفريق الخصم الذي ما زال يأمل بتبدلات يتوقعها في سورية من أجل توظيف ذلك في لعبة انتخابية هو غير واثق من كسبها فيما لو بقيت الأوضاع على ما هي عليه.
وتضيف تلك المصادر أنها ستكون مصرة على إجراء الإنتخابات وفق أي قانون يؤمّن التمثيل لأنها تعتقد أن تجديد المؤسسة التشريعية هو آخر مؤشرات قيام الدولة في لبنان، الذي يتعرض لـ»غزو» طائفي ومذهبي لا يقلّ خطورة عما تتعرّض له الدول الغارقة في الحروب والأزمات في المنطقة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار