مناضل.. بحسابات الحرب في مالي


مناضل.. بحسابات الحرب في مالي
البناء 17 كانون الثاني 2013
محمد شمس الدين

قد لا يكون الوقت «مناسباً» لإطلاق فرنسا المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبدالله الذي سُجن في هذه الدولة الأوروبية لاتهامه بقتل عميلين استخباريين، الأول للاستخبارات «الإسرائيلية» والآخر للاستخبارات الأميركية الـ(سي.آي.إي)، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية غربية في بيروت، ذلك أن الإفراج عن عبدالله يشكّل ضربة قوية للولايات المتحدة و»إسرائيل» اللتان تقودان حملة ضد ما يعتبرونه «إرهاباً» منذ زمن برغم الاختلاف القائم حول تعريفه بين العديد من النظريات والأفكار المتصارعة على خلفيات سياسية في المنطقة والعالم.

لقد اختارت فرنسا وقضاؤها توقيتاً صعباً عندما قرّرت الإفراج عن عبدالله، وهي التي قررت في اليوم نفسه تقريباً الدخول في حرب في مالي سرعان ما اكتشفت أنها دخلت الى مستنقع لم تكن تتوقع أنها غير قادرة على الخروج منه بسهولة، فلجأت فوراً الى طلب المساعدة من حلفائها في بريطانيا وأميركا اللتين بادرتا فوراً الى تلبية ما رأتاه مناسباً من حاجة فرنسا في مالي، لكن لكلّ دولة حساباتها، ففي حين أن الأولى مستفيدة من ضرب «حركة الشباب» المالية المعارضة لإبعاد شبحها عن البوابة الأوروبية، وهو الهدف الذي روّج للعمليات العسكرية، ناهيك عن الصراع الغربي – الغربي على أفريقيا، إلا أن الثانية أي الولايات المتحدة وإضافة الى موقعها في هذا الصراع، فإنها ذهبت باتجاه تصفية حساباتها مرة اخرى مع المقاومة في المنطقة التي لم تنته باغتيال القائد الجهادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية، الذي اعتبرته مسؤولاً عن تفجيري مقري «المارينز» والقوات الفرنسية في بيروت عام 1982 إبان الغزو «الإسرئيلي» للبنان، من دون أن تقدّم دليلاً على ذلك، وهي السنة نفسها التي نفذ فيها عبدالله عمليتيه في باريس، افتراضاً، لكن الاستخبارات الأميركية بإداراتها المتعاقبة ما زالت مستمرة في ملاحقة جميع رفاق مغنية أو من «يشبهونه» في صراع لن يتوقف بأي صورة من الصور.

ضغطت الولايات المتحدة على فرنسا في اللحظة المناسبة في قضية جورج عبدالله، إذ لا يُعقل أن تنبري الأخيرة الى اتخاذ أي إجراء لا يرضي الحليف الأميركي، في وقت يُطلب من هذا «الحليف» أن يكون شريكاً في حرب لا يعرف أحد كيف ستكون نهايتها ومتى، إذا لم يتم تداركها والرجوع عنها في الوقت المناسب وعودة الأمور الى ما كانت عليه قبل الهجوم الفرنسي الأخير، وإفساح المجال أمام ترتيب وضع منطقة غرب إفريقيا من قِبل دولها بعيداً عن التدخل الخارجي الذي على ما يبدو صار حتمياً بعدما صوّت مجلس الأمن الدولي على القرار 2085 في كانون الأول من العام الماضي 2012، إيذاناَ بـ»زعزعة» وضع ذلك الجزء من العالم. في حين تتحدث بعض المعلومات عن أن الهدف الأكبر من وراء تلك العملية هو الجزائر التي يطمح الغرب وتحديداً فرنسا للعودة اليها وذلك للسيطرة على مقدراتها من الغاز في لعبة تقاسم مناطق الطاقة التي دخلها العالم منذ عقد كامل على الأقل.

وفي هذا السياق، قد لا يكون موعد 28 الجاري تاريخاً مشرقاً بالنسبة لقضية جورج عبدالله إذا دخلت في موازين الحرب التي تخوضها فرنسا في مالي وحلفها مع الولايات المتحدة، المعطل لدور القضاء الفرنسي الذي قضى بالإفراج عن المناضل اللبناني من دون أية حسابات سياسية على الأرجح، لكن الرئاسة والحكومة الفرنسية التي تخاطر بديمقراطية اجتماعية عريقة قد تحوُل دون تمكين القضاء من ممارسة استقلاليته.
لقد اعترف الإعلام الفرنسي على الأقل بأن الحكومة الفرنسية «تعاني من تناقضات داخلية وتتعرض لضغوط من الولايات المتحدة وبعض المؤسسات الفرنسية من أجل عدم إطلاق سراح عبدالله»، فيما اوضح الصحافي الفرنسي آلان غريش أن «الحكومة الفرنسية تعاني من تناقضات داخلية ولا تعرف ما العمل في هذا الملف».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأزمة بين التسوية والحل

البيان رقم 2: لا اعتذار